Saturday 7th August,200411636العددالسبت 21 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
دار فور
عبدالرحمن صالح العشماوي

هكذا في أيام قلائل يصبح اسم (دار فور) مادة إعلامية ملتهبة، لا تكاد ترى شاشة فضائية أو تسمع إذاعة عربية أو غير عربية، أو تقرأ صحيفة شرقية أو غربية إلا ودار فور مادة بارزة فيها مقدَّمة على غيرها من المواد، وتعجب لهذا التركيز الإعلامي على هذه البقعة المغمورة من السودان، وتتساءل: من الذي يوجه دفة الإعلام بهذه الصورة؟
وتظل تبحث عن الإجابة زمناً فلا تحظى بها لأنك ستشغل بقضية أخرى تبرز لك في مكان آخر كانت باردة فأصبحت ساخنة، وكانت منزوية فأصبحت ظاهرة، وعند ذلك تنسى دار فور وتنشغل بغيرها من الدّور.
هنالك مخرج عالمي يدير وسائل الإعلام العالمية جميعها وهي لا تشعر، يطرح ما يشاء من القضايا ويترك الناس ينشغلون بها زمناً حتى إذا تمكن مما أراد، وتحقق له من المصالح ما يسعى إليه صرفك الى قضية أخرى.
لماذا دار فور؟ أليس جنوب السودان هو مكان المشكلة ومكمن الداء؟ أليست الحرب المستمرة منذ سنوات في جنوب السودان هي الجديرة بالاهتمام؟ كيف حدث هذا الانقلاب الخطير حتى أصبحت قضية دار فور قضية العالم التي ينشغل بها لأن أمريكا وبريطانيا تنشغلان بها؟
مشكلة مصنوعة مضخمة - بلا شك - تحتاج الى وقفات وعي توضح لنا أساليب المخرج الصهيوني العالمي الذي يتلاعب بقضايا العالم كما يشاء.
إن هذا الانتقال المفاجئ من جنوب السودان إلى غربها، وهذا التركيز على دار فور، والتعتيم على مشكلة جنوب السودان، وهذا الهيجان الإعلامي حول هذه القضية، إن ذلك كله يؤكد لنا الهيمنة الإعلامية لدول الاحتلال (الصليبي والصهيوني) على العالم كله وعلينا - نحن المسلمين - بصورة مركزة.
تختلف آراء خبراء السياسة والاقتصاد وتتعدد جوانب التفسير لما يجري من هذا التضخيم والتلميح والإشعال لقضية دار فور، وتبقى الحقيقة واضحة للعيان تقول لنا: إن أعداءكم يصنعون قضاياكم في بلادكم وفق مصالحهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية يقدمون منها ما يشاؤون، ويؤخرون منها ما يريدون، وأنتم في غفلة عما يخططون.
السودان بلد إسلامي مستهدف منذ القدم، فهو منفذ للإسلام ودعوته الى إفريقيا السوداء، وهو سلة غذاء مهملة، وهو مصدر ثروة مائية كبيرة يعبّر عنها التقاء النيلين على أرضه المباركة، وهو مصدر إضاءة إسلامية في المنطقة، وهو بلد (نفط) يسيل لعاب المتسلطين في منطقة دار فور وحدوده مع تشاد، وهو حلقة في سلسلة الهيمنة الاستعمارية الجديدة التي تستهدف عالمنا الإسلامي ديناً، وخلقاً، ومجتمعاً، وسياسة واقتصادا.
أين المسلمون وإعلامهم ووعيهم من هذه الأحداث التي تنتجها مصانع الهيمنة والسيطرة في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل؟
وسائل الإعلام تتحدث ليل نهار عن خطط الأعداء لتغيير ملامح جغرافية واجتماعية في بلادنا الإسلامية، ونحن مشغولون بسوبر ستار، وستار أكاديمي، وضرورة افتتاح معهد للفنون، وظهور المطربة فلانة، ونجومية الممثلة علانة، وبرامج السب والشتم والتهريج، وبرامج الحظ والكهانة وقراءة الفناجين والبرامج الجامدة التي تتحدث بلغة منفصلة عن الهم الحقيقي لأمتنا المسكينة. دار فور عنوان بارز هذه الأيام يُراد به الدخول الى السودان للهيمنة عليه من بوابة أخرى غير بوابة (قرنق) وجنوب السودان، ولربما يختفي هذا العنوان قريباً فما تقع عليه عين قارئ، ويظهر مكانه عنوان آخر، والله المستعان.
إشارة:


علمتني الحياة أن الرزايا
والمنايا في منطق التهويل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved