السودان وأزمة دارفور
لقد نددت الحكومة السودانية بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب الحكومة السودانية بالتحرك لإنهاء مأساة دارفور خلال ثلاثين يوما، والحقيقة أن السودان تشهد أطول حرب أهلية في العالم والمستمرة منذ أكثر من عشرين عاما بين الحكومة المركزية في الخرطوم والمتمردين في الجنوب قبل أن تتفجر أزمة إقليم دارفور.وقد بدأ الصراع في دارفور العام الماضي عندما هاجم متمردون من أبناء الإقليم أهدافا للحكومة بدعوى إهمال الحكومة لغرب السودان وهي المناطق التي يطلق عليها اسم (المناطق المهمشة في السودان).
والحقيقة أن إقليم دارفور على وجه التحديد يشهد نزاعات مستمرة للسيطرة على الأراضي الزراعية والمراعي بين القبائل العربية وقبائل فور والزغاوة الإفريقية، ويتهم سكان الإقليم من ذوي الأصول الإفريقية حكومة الخرطوم بمحاباة السكان من أصول عربية سواء في الوظائف أو في الاستفادة من عائدات النفط الذي اكتشف في غرب السودان.
من ناحيتها تنفي حكومة الخرطوم أي مسؤولية لها عن أعمال العنف التي يشهدها الإقليم على أساس أنه صراع قبلي بين فصائل مسلحة عربية وإفريقية خارجة على القانون.
الصراع في دارفور بدأ يشق طريقه نحو تشاد المجاورة التي تضم نفس التركيبة العرقية لإقليم دارفور من عرب وأفارقة، لذلك على المجتمع الدولي التحرك الفعال بعيدا عن العقوبات أو التلويح بالحلول العسكرية، فالعقوبات الاقتصادية لا تؤثر إلا على الشعوب ولا تحقق أي نتائج كما ظهر في حالات كثيرة سابقة، والتدخل العسكري ليس خيارا سهلا وأيضا ثبت فشله في أكثر من حالة.إذن فالواجب على الأمم المتحدة أن تعيد التفكير في منح حكومة الخرطوم فرصة أخرى ومساعدتها في إنهاء المأساة مع التأكيد لها أن المجتمع الدولي لن يصبر إلى مالا نهاية إذا لم تنتهي هذه الكارثة الإنسانية.
(هندوستان تايمز) الهندية
***
تطورات إيجابية في العراق
الأيام الماضية شهدت ثلاثة تطورات فتحت باب الأمل في إنجاز المهمة التي يتفق عليها العالم أجمع، أي إقامة حكومة عراقية مستقلة ومستقرة.
أبرز هذه التطورات هي الاقتراح السعودي بإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق لتحل محل القوات الأجنبية ليفتح الباب أمام تحسين الموقف الأمني في العراق، فمثل هذه القوة سوف تحظى بقبول واسع من جانب العراقيين على عكس القوات الأجنبية.كما أنها وإن لم تستطع وقف أعمال العنف تماما إلا أنها تستطيع توفير الحماية التي تطالب بها الأمم المتحدة لإرسال بعثة للإشراف على الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في يناير المقبل.وجاءت الحكومة العراقية لتحسن صنعا عندما قررت تأجيل عقد المؤتمر الوطني العراقي الذي كان مقررا له نهاية يوليو الماضي لاختيار مجلس مؤقت يراقب أعمال الحكومة المؤقتة ويقر موازنة عام 2005 للعراق، فالهدف من التأجيل هو إتاحة الفرصة أمام إقناع بعض الفصائل العراقية المعارضة بالمشاركة في العملية السياسية بدلا من البقاء خارجها.
فتأجيل المؤتمر لمدة أسبوعين سيتيح لحكومة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي توسيع المشاركة في هذا المؤتمر إلى أقصى قدر ممكن وهو ما يتيح لهذه الحكومة القول بعد ذلك إنها تمثل إرادة الشعب العراقي وليست مفروضة عليه.
كولن باول تعهد خلال زيارته الخاطفة والمفاجئة لبغداد بالإسراع في إنفاق الأموال الأمريكية المرصودة لمشروعات إعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق وقدرها 18 مليار دولار، والحقيقة أن الخطأ القاتل الذي وقعت فيه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في العراق هو عدم التركيز على إيجاد المزيد من الوظائف للعراقيين وتوفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء فور سقوط نظام حكم صدام حسين.فكلما زاد عدد العاطلين العراقيين زادت المساحة التي تتحرك فيها الجماعات المناهضة للوجود الأمريكي في العراق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لشن الهجمات التي تستهدف كلا من القوات الأمريكية والقوات العراقية الموالية لها، وإذا أحسن استغلال هذه التطورات الثلاثة فسوف نقترب كثيرا من إنجاز المهمة في العراق.
(بوسطن جلوب) الأمريكية
***
الفلسطينيون وإضاعة الفرص!
عندما استطاعت محكمة العدل الدولية أن تحد، ولو شكليا، من (الجنون) الإسرائيلي عبر قرار وقف بناء الجدار العازل في الضفة الغربية، وعندما أبدت بعض دول الاتحاد الأوروبي استياءها من السياسة الإسرائيلية داخل الأراضي المحتلة، تفاجأ العالم بحالة من الاقتتال بين الفصائل والسلطة الفلسطينية. السؤال المحير الذي ظل يطرح على مدى الأسابيع الماضية هو: لماذا اختارت تلك الفصائل هذا التوقيت بالذات لإثارة العنف في المدن الفلسطينية؟
التوقيت مهم، لأن الظرف الراهن كان يجب أن يستغل ليس للتناحر، بل لاستغلال الموقف الدولي من الجدار الفاصل من جهة، ومن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد المدنيين من جهة أخرى، بحيث إنه لأول مرة وجد الفلسطينيون أنفسهم غير مطالبين بالتضحية لإظهار الظلم الإسرائيلي عليهم. لكن الأحداث التي انفجرت في الضفة والقطاع كانت مثيرة للصدمة بحيث انها استهدفت الفلسطينيين كأشخاص من قبل فلسطينيين آخرين، وهي ظاهرة جاءت أشبه ما تكون بالورقة التي بدا شارون بحاجة ماسة إليها للخروج من الطوق الدولي الذي يعيش فيه لأول مرة منذ وصوله الى رئاسة الوزراء. اختيار هذا التوقيت الحساس للاقتتال الفلسطيني هو الذي اعتبره الجميع صدمة حقيقية على اعتبار أن الضعف السياسي الذي أبداه الفلسطينيون كان لصالح إسرائيل ولصالح الحملة التي يخوضها الرئيس الأمريكي جورج بوش والتي تصب اليوم في شعار (محاربة الإرهاب في العالم، وفي الشرق الأوسط تحديدا) وهي الحرب التي وضعت العديد من التشكيلات النضالية الفلسطينية في خانة الإرهابيين. لقد اعتبرت جريدة (بون) الألمانية الرسمية إسرائيل خطرا حقيقيا على منطقة الشرق الأوسط في افتتاحيتها وهي الجملة التي أغضبت السفير الإسرائيلي كثيرا متهما ألمانيا ب (الحنين) الى النازية! الفلسطينيون أثبتوا أن الخطأ في اختيار الوقت أخطر من الخطأ في الحرب نفسها، ولهذا كل ما سيفعلونه بعد الآن هو في النهاية الحرب الأهلية التي تريدها إسرائيل بقوة للانتهاء من المقاومة الفلسطينية الى الأبد عبر الالتفات نحو دول تعتبرها جزءا من إسرائيل الكبرى!!
(ليبيراسيون) الفرنسية |