Friday 6th August,200411635العددالجمعة 20 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

4-11-1391هـ الموافق 21-12-1971م العدد 372 4-11-1391هـ الموافق 21-12-1971م العدد 372
الأسبوعيات
حقل مزاليج
بقلم الأستاذ عبدالله بن محمد بن خميس

كان لهذا الاسم (مزاليج) قبل حوالي أربعين سنة صدى يتردد على ألسنة ساكني منطقة العارض، وما جاورها، ومن مر بها، قاصداً الأحساء، أو عائداً منها، نحو أواسط نجد، أو عاليتها.. لأن (مزاليج) هذه من أشهر الطرق التي تسلكها القوافل إلى الأحساء ومنها، تحمل الحبوب والتمور وسائر المؤن، بحكم ما للأحساء من مركز إنتاجي، وتجاري، ولأنها مدينة ميناء (العقير) الميناء الوحيد آنذاك، الذي يمد هذه المناطق بالواردات الخارجية.. كانت هذه القوافل من الإبل لا ينقطع لها صوت ولا يختفي لها منظر مقبلة مدبرة، وكان ساكن (الرياض) منذ الهزيع الأخير من الليل حتى يمتع النهار.. لا يفارق سمعه أصوات الحداه، ورغاء الإبل، وعجيج الغادين والرائحين.. من بينهم فئة تدعى (الرحيلية)، هؤلاء تجار إبل ونقل، تقاولهم الحكومة على نقل المؤن والتجهيزات من الأحساء إلى الرياض، أكثرهم من أهل الزلفي والقصيم.
ولما جاء عصر السيارات، أخذ هذا المظهر المألوف يختفي شيئاً فشيئاً، حتى جاء عصر سكة الحديد، فاختفى ذلك المظهر كلياً.. وليست (مزاليج) وحدها هي طريق هذه القوافل من الأحساء وإليها، بل هناك طرق كثيرة مألوفة، ومسماة.
هي من الجنوب إلى الشمال (حوجان) بالحاء في أوله ولعله الذي قصد الهمداني بقوله (جوجان) بجيمين، وهو ليس ببعيد، ويليه من الشمال (مزاليج) هذا الذي نتحدث عنه ويليه (مخيط) ثم (الجودي) و(مغطى) و(المبيحيص) و(الهبابية) و(أم الرمم) وهكذا.. لكن أشهرها وأكثرها سالكاً هي (مزاليج) بحكم أنها تؤدي إلى الرياض من جهة، ويبدو أنها أسهل وأقرب.
تبدأ هذه الطريق من شرقي الرياض جنوبيه، من حيث جاء الملك عبدالعزيز رحمه الله لفتح الرياض ثم تجتاز (بطن السلي) إلى حيث تفترع جبل (الجبيل) مارة (بالعريمة) مع فج هناك واسع يضاف إليها، فيقال: (ريع مزاليج) وهو واقع بين أنف (مقيصة) من الجنوب، وبين (دريبات الخيل) من الشمال. وإذا علا ظهر (الجبيل) ترك شعب (أبو رمل) يمينه، وشعب (نظيم قوت) يساره، قاطعاً أسفله مما يلي مصبه في وادي (الحنية) ثم يجتاز وادي (الحنية) مشرقاً، ويترك منهلي (المياهية) (ودبيان) يساره، مخترقاً جنوبي (الدغم) صامداً المائة (أبي جفان)، ثم ينزل بطن وادي (الترابي) وبعد أن يقطعه يكون جبل العرمة الجنوبية قد أعرض أمامه، بأنوفه السامقة، وصفحاته الشم.. وقبل أن يعلق الطريق في الجبل يتشعب شعبتين، شعبة يمنى تسلكها السيارات، وتدعى (الخشبي) وشعبة تسكلها الإبل وتدعى (سنام الحوار) لأنها تمر بجبل مخروطي الشكل، كأنه سنام حوار، وتلتقي الشعبتان في ماءة (أبي جفان) في أعلى شعب بظهر (العرمة) الجنوبية، يسيل غرباً، وتنتثر في مجراه الجبلي قبل أن يصب في السهل قلات كأنها جفان، ولعل التسمية مأخوذة من هذه الصفة.
وهذا المنهل من المناهل المشهورة، وعدد آباره حوالي خمسة وعشرين بئراً، وأشهرها بئر تدعى (القموص) وفي هذا المنهل قصر بناه الملك عبدالعزيز من أجل تخزين المواد الغذائية التي تقطع بها الإبل (الدهناء) وتضعها في هذا القصر، وتعود أدراجها وتقوم السيارات بنقل هذه المواد إلى الرياض.. وهكذا.. أما الآن فقد أصبح قفراً من هذه وهذه وبقى قصره أثراً.. وأبو جفان من مياه الدواسر للغييثات منهم.. وهذا المنهل مر به الملك عبدالعزيز في مجيئه لفتح الرياض، عام 1319هـ ليلة عيد رمضان، هو وصحبه، وباتوا عليه، وفي الصباح استأنفوا سيرهم للرياض..
ومن منهل (أبي جفان) تأخذ الطريق ظهر العرمة الجنوبية، مشرقة، ويأخذ سيلها ينحدر تلقاء (الدهناء) ولم يلبث السائر على هذه الطريق طويلاً حتى تبدو له الدهناء بشقرتها الشيقة، ترى بها أنقية حمر فارعة هي التي تسمى (مزعلات) وبعد أن تقطع الطريق مرابخ، ومدافع سيول العرمة، تحجزها الدهناء في دكادكها.. تعلق الطريق بالدهناء، وبعد اجتياز الحبل الأول منها وما أشقه وأصعبه، تنبسط هنالك سهوب وشقائق يظل الطريق فيها سهلا لا حبا، جملة كبيرة من الدهناء، ولعل هذا هو الذي حبب هذه الطريق إلى هذه القوافل التي تذرع الدهناء جيئة وذهاباً.. وفي هذه السهوب، والأرض المرت، قد حفرت الإبل أخاديد، ترى آثارها الآن منقوشة على أديم الصحراء، تشير إلى عهد كان فبان، ولله في خلقه شؤون..
وأنقية (مزعلات) المتقدم ذكرها، هي التي عناها الشاعر الشعبي ذائع الصيت محسن الهزاني بقوله:


يسرحن الصباح من جرعى نعام
والعصير منكبات مزعلات
والعتيم القابلة من غير أين
يشربن بروسهن من ما الصراة

وهناك بنية في الدهناء، على تل مرتفع، مما يلي غربي الدهناء، على هذه الطريق تسمى (رجم الشويعر) إمارة شهيرة لسالكي هذه الطريق، كثيراً ما يلهجون بها، وهذا الرجم هو الذي عناه الشاعر الشعبي ناصر الهزاني في قصيدته التي مدح بها أحمد بن محمد السديري الكبير، أمير الأحساء آنذاك والتي مطلعها:


قم سوفنجال الضحى يا بن صياح
حيثك خلى م الهواجيس ومريح

حتى قال:


تموا وهموا لا تهمون بمراح
عسى لكم رجم الشويعر مصابيح

وإذا نكبت طريق (مزاليج) الدهناء أخذت في (الصلب) (فالفروق) (فالغوار) (فالأحساء). وأشاد الشعراء الشعبيون (بمزاليج) ورددوها في شعرهم قال فيحان الرقاص:


هنى من درهمت به فرخة الحرة
معط مزاليج والا معط الجوادى

إلى أن قال:


ربعى عتيبة من العارض إلى الحرة
سقم المعادى إلى جا العلم مردود

وقال عبيد بن رشيد:


أقفن بنايم الحسا مع مزاليج
وصارت فقايد كل عشر ثمان

ولم نشر عن اكتشاف النفط بكميات كثيرة ومفرحة في (مزاليج)، أحببت أن أعطي القارئ الكريم إلمامة موجزة عن (مزاليج) هذه.
فلقد عرفنا مما تقدم أنها طريق يمتد ما بين الرياض والأحساء، فأين حقل البترول إذن من هذه الطريق؟؟
يجوز لنا لغة أن نسمى باسم الكل، ولكن أين هذا البعض. لقد جاء في الخبر أن هذا الحقل على مسافة مائة وثلاثين كيلا من الرياض شرقيها جنوبيها، وإذن فلندرك أن الحقل في الدهناء، قد يكون في أدناها إلى الرياض إذا كنا سوف نأتي (مزاليج) من قبل طريق (خريص، أو من قبل طريق الخرج، وقد يكون في أقصاها مما يلي الأحساء إذا كنا سنختصر الطريق، ونسلك طريق (مزاليج) نفسها.. وأيما كان، فهو لا يخرج عن حدود الدهناء..
وهنا لفتة لما جاء في تسمية هذا الحقل وهي في صحفنا قد حلى (مزاليج) بالألف واللام وهو غلط لغوي (فمزاليج) علم كمحمد وخالد وسعد لا يجوز دخول الألف واللام عليه، وهذا الاسم سوف يتكرر ملايين المرات، وسوف تكون شهرته الآن أضعاف ما كانت عليه من قبل، فلنعطه الصيغة الحقيقية له، فنحن أولى بتصحيح لغتنا، وأحرى بالغيرة عليها..
لقد قلنا عن (وسيع): (الوسيع)، وعن (بقيق): (البقيق)، وعن (هيت): (الهيت) وها نحن نقول عن (مزاليج):
(المزاليج) وقد قلنا وسوف نقول: ما مضغته الألسنة الأعجمية، وما قدمته لنا في تقاريرها.. ولا ضير أن نأخذ بعلمهم، ولكن ما لا يعلمون من لغتنا نحن أولى بحمايته، وأحرى بتصحيحه لهم، ولناشئتنا وأجيالنا القادمة.. فلماذا نقلد خطأهم حتى فيما لا يعلمون؟؟ ونكون كذلك الطفل الذي عهد به والده إلى معلم أعجمي، فطفق يعلمه سورة الفلق، ويلقنه من (شر النفاثات في العقد).
ولكن لسان المعلم الأعجمي هذا لا ينطق الثاء، فيلقن الطفل هكذا: من شر النفاسات في العقد، فيتبعه الطفل فيما يقول، فيغضب ويكررها ولكن بالسين، ومن أين للطفل أن يعرف ما يريده معلمه مما هو مستيقن به قلبه، ويأبى نطقه لسانه..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved