في مثل هذا اليوم من عام 1906 ولد الشاعر اللبناني المبدع صلاح لبكي. ففي الفترة بين الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وخروج الفرنسيين منها عام1801 شهدت أرض الكنانة، أولا، وربوع لبنان لاحقاً، من أسباب تقدم الغرب وعاينت من ثمار حضارة الغربيين، ما كان باعثاً على بزوغ فجر نهضة جديدة، بعد القرون الطوال من الضعف والانحلال، لم يعرف خلالها العالمان العربي والإسلامي إلا عسْف الدخلاء من مماليك وأتراك. ولولا ومضات من الضياء، وواحات من العطاء إبّان ذلك الليل الدهري الطويل، لما كتب لتلك النهضة أن تتأصل أسبابها في أرض الواقع، وأن تقوى على جبه تقلبات الحدثان ونوائب الزمان، وأن تؤتي أكلها ثماراً من المعارف والآداب.
وكانت البيئة المصرية منذ قيام محمد علي وأسرته، تفور بالنشاط الفكري لا للمصريين وحدهم بل لطائفة كبيرة من مثقفي العالم العربي وجلّهم من اللبنانيين. وتميّز شعراء هذه المرحلة بثقافتهم الواسعة وإلمامهم باللغات والآداب الأجنبية وتمكنهم من خصال الأسلوب العصري. ومن شعراء هذا الرعيل الشيخ خليل اليازجي والشيخ نجيب الحداد اللبناني والياس صالح اللبناني ووديع عقل، ورشيد نخلة وشبلي الملاط وسليمان البستاني وبشارة الخوري وفي مقدمة هؤلاء الشعراء سعيد عقل ويوسف غصوب والياس أبو شبكة وصلاح الأسير وصلاح لبكي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكوكبة من شعراء لبنان المقيمين ومثلها من شعراء الرابطة القلمية، وفي مقدمتهم جبران وميخائيل نعيمة، ويتبعهم أصحاب الديوان: العقاد والمازني وشكري وجماعة أبوللو بزعامة أحمد زكي أبو شادي وآخرون جمعتهم ظروف متماثلة في العصر والبيئة والشخصية وعوامل متقاربة نفسية ووجدانية وأيديولوجية، وكانوا يعزفون الشعر على أوتار واحدة من المذاهب والاتجاهات بإيقاعات ملونة بألوان من خصوصياتهم. فقد تلاقوا جميعاً في المناخ العام الواحد مناخ التطلّع إلى الجديد ، ويمثلون بمواقفهم تلك محفزات الجيل الشبابي الصاعد الذي ضاق ذرعاً بالقصيدة الكلاسيكية، تحكمهم بذلك مقتضيات العصر الحديث بكل وقائعه السياسية والاجتماعية والسيكولوجية.
|