قد يخطر ببال القارئ الكريم أن كتابة هذا الرثاء في فقيدنا الشيخ عقيل الطيار أنه مجرد التصنع في صياغة عبارات تغلب عليها العاطفة الوجدانية المجردة من الحقائق وأن القصد منها تسجيل مواقف عند أسرته على حساب الفائدة والاعتبار وهذا غير صحيح لأن كل من يعرفه أو تعامل معه يشعر بذلك لأنه فرض نفسه من خلال كفاحه وعصاميته في هذه الحياة التي بدأها أيام حياته الأولى وهو شاب يكافح بحثاً عن لقمة العيش تحت ظروف قاسية عاشها كغيره من أبناء جيله في ذلك الوقت وبعزيمة الرجال الواثقين بالله استطاع أن يوظف طاقاته وقدراته لتحقيق مصدر لرزقه حيث كان يتاجر بمشتقات البترول وذلك ينقلها على ظهور الجمال من المنطقة الشرقية إلى الأماكن التي يرى أنها بحاجة إليها في بلادنا الغالية ومع ما يهدده من أخطار إلا أنه صبر في تحمل أعباء هذه التجارة وبعد ذلك سنحت له الفرصة أن يكون من أوائل العمال الذين عملوا في شركة أرامكو في بداية تأسيسها وتواصل كفاحه في هذه الحياة بفعل الأسباب التي تحقق له ولأفراد أسرته العيش الرغيد وكان له ما أراد لأن شعاره هو الاعتماد على النفس بعد الاعتماد على الله وكان لأسرته نصيب في ذلك مما جعله يبني أسرة متماسكة متفاعلة مع معطيات الحياة ويأتي في مقدمتها التربية الاسلامية التي رسخها فيها بالإضافة إلى اهتمامه بتعليمها لتسهم في خدمة مجتمعها، فأبناؤه كلهم الآن من المتعلمين فالبعض منهم يعمل في التجارة والبعض الآخر يعمل في الدولة ويسهمون في خدمة هذه البلاد الطاهرة وفي ظل هذه العصامية استمر رحمه الله في الاعتماد على نفسه في كل شيء على الرغم من الحالة المالية الجيدة التي يتمتع بها أبناؤه الذين لن يترددوا في تقديم العون له في أي لحظة ولكنه غني بالله ومن ثم بما وفره من مصدر لرزقه وكان همه الأكبر ان يرسم أبناؤه الشيم العربية الأصيلة في تعاملاتهم وتواصلهم مع أقاربهم وأبناء مجتمعهم الذين يوصيهم بهم بين وقت وآخر، كذلك من الأمور التي يهتم بها في حياته حبه لجيرانه وجماعة المسجد فتجده يشاركهم في فرحة العيدين وأفراح الزواج دون تمييز ويتبادل معهم الهدايا ويتواصل مع أولاد الجيران الذين فقدوا آباءهم من خلال زيارتهم في بيوتهم يذكرهم بالخصال الحميدة التي يتمتع بها آباؤهم ويوصيهم بالاقتداء بهم، كذلك من الصفات الطيبة التي يتمتع بها استخدام جاهه والشفعة لمن طلبها دون تردد في ذلك والحقيقة ان الحديث عن هذا الفقيد يحتاج إلى المئات من الصفحات لأن سيرته عطرة وغنية بالكثير من العبر والمواقف التي تستحق التدوين ولعل أبناءه يقومون بعمل يسرد لنا الكثير من عصاميته ومشواره الطويل الحافل بهذه الحياة والتي بلغت تسعين سنة لتكون لنا عبرة نستفيد من الجوانب الإيجابية فيها.
رحمك الله أيها الفقيد الغالي وأسكنك فسيح جناته وألهم أبناءك الشيخ عبدالله وسليمان والدكتور ناصر والاستاذ أحمد وأهل بيتك وأسرة الطيار الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
|