أحمد الله أنني لست مدخناً، ولست ممن يفرحون بفشل الآخرين لكنني أعترف بأنني فرحت باعتراف معالي وزير الصحة د. حمد المانع بفشل مشروع التوعية بأضرار التدخين، الذي بذلت فيه وزارة الصحة جهوداً كبيرة.
ومبعث فرحتي هو قناعتي الخاصة بأن الاعتراف بالفشل هو الخطوة الأولى على طريق النجاح، وأن الصراحة والوضوح والشفافية صفات لا بد من توافرها لأي مشروع ناجح، يضاف لذلك أن معالي الوزير المانع امتلك من الشجاعة ما مكَّنه من الاعتراف بالفشل، في وقت يرفض كثير من المسؤولين ذلك، بل يطلقون على الفشل أسماء كثيرة ظناً منهم أن الاعتراف بالفشل ينتقص من قدرهم أو يشكك في إجادتهم لأعمالهم المنوطة بهم.
وحقيقة الأمر أن المرء عليه أن يسعى ويجتهد قدر استطاعته وليس عليه إدراك النجاح، وفشل وزارة الصحة في التوعية بأضرار التدخين، لا يعني تقصيرها في أداء عملها، بقدر ما يعني أننا في أمس الحاجة إلى إستراتيجية مجتمعية شاملة لمواجهة آفة التدخين التي تتغلغل وتنخر في جسد مجتمعنا، ولا سيما الشباب الذين يمثِّلون العمود الفقري لخطط التنمية المستقبلية على المدى القريب والبعيد.
فخطر التدخين، يتجاوز جهود وقدرة وزارة الصحة وحدها، وفشلها في التوعية بهذا الخطر يعني فشل جميع مؤسسات المجتمع في دعم هذا المشروع وغيره من مناشط مكافحة التدخين، ولا سيما إذا علمنا أن حجم ما تنفقه شركات صناعة التبغ لترويج بضاعتها، يقدر بمليارات الدولارات كل عام وتستخدم كافة وسائل التأثير من دعاية وإعلانات وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري بما في ذلك أفلام السينما ومسلسلات التلفزيون التي يشاهدها الملايين.
وعلى الرغم من أن د. المانع لم يورد في اعترافه الذي جاء في أثناء الندوة الطبية في اليوم العالمي لمكافحة التدخين أسباب فشل مشروع التوعية بأضرار التدخين واكتفى بالتدليل على هذا الفشل، بتزايد أعداد المدخنين ليس في المملكة فقط، بل في العالم أجمع، إلا أن إحصائية أخرى أكَّدها المشرف العام على برنامج مكافحة التدخين في الوزارة، أشارت ولخصت أسباب هذا الفشل، هذه الإحصائية مفادها أن 30% من الأطباء العاملين في القطاعات الصحية من المدخنين، ونسبة أقل بين الطبيبات، وقياساً على ذلك، فإن أبناء المدخنين يمثِّلون نسبة أكبر من أبناء غير المدخنين، وهكذا، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كانت وزارة الصحة قد اتخذت إجراءات صارمة لإلزام الأطباء العاملين بها بعدم التدخين في أثناء العمل، فمن يستطيع إلزام عموم المدخنين بعدم التدخين، إننا في حاجة إلى نظام دقيق لمكافحة التدخين يتجاوز حدود الشعارات إلى آليات حاسمة.. تشمل البيت والمدرسة والأندية الرياضية وكافة مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية، وإلا فعلينا جميعاً أن نتحلَّى بشجاعة الوزير المانع ونعترف بالفشل في إخماد نار التدخين التي تحرق أبناءنا وأموالنا معاً، وعلينا أن ننتظر الكارثة ولا نستغرب حدوثها ونتقاذف اللوم تجاهها.
|