Friday 6th August,200411635العددالجمعة 20 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

صهيل القوافل صهيل القوافل
قصة قصيرة
هيفاء الربيع

تعبر الشوارع، تخترق الرمل الناعم، بعجلاتها تتشكل مسارات غامضة وخطوط ذات أبعاد مجهولة!!!
***
الأرض تحتضن الرمال تتنفس هواء يُعانق التلال المرتفعة ويختزن أسرار الفصول قمم جبال شاهقة على صخرة الجفاف.. تجلس وذيل ثوبها الأبيض ينحدر على الرمل الناعم وبينهما تناغم يُعيد للأرض ذكرى الثلوج المُتساقطة من رداء الشتاء..
حيث يتردد فيها صدى الوحدة ليُعلن معه انتظار خيوط الشمس التي تُذيب الجليد ثم تبتهج الأرض بسيلٍ يغمر فجوات الحُزن الذي يضرب بجذوره في الصحراء وتنمو معه أشجار جافة بأغصانٍ من أشواك مُدببة..
شعرها يتناثر مع هواء الصيف المُحرق تتحرك معه أمواج من الرمل الناعم.
تنهض من مكانها تجمع بكفها رداء الذاكرة الذي ألبس الأرض لون البياض!!
تتحسس خدها الأيمن بتلك العلامة المميزة (وشم أسود) تعرفه صهيل القوافل وأمواج الرمال..
***
تسير بقدميها الحافية وذكرياتها تنتعل خطوات غامضة.. مسارات مُترنحة.. أين سير القافلة؟؟
تلك التي تحمل الأمتعة.. وامدها بما يغذي مسيرة عجلاتها في صحراء قاحلة..
(صحراء) تجعلني اتكئ على قسوة الصخور وافقد من الحياة لذة الارتواء من ينابيع الصفاء!!
(صحراء) تُردد صدى الوحدة ونفقد من أرضها ماء الحياة لنعيش مرارة الظمأ المميت!!
***
في الأرض بعض من الأقمشة المتساقطة.. خناجر صدئة جلد الابل يتكوم مع طبقات الرمال ويُظهر معه سنم جمل يُريد أن ينهض حيث يكره الاستسلام..
هو ابن الصحراء وهو الوحيد الذي يعرفُ أسرار هذه الأرض القاحلة..
تجثو بركبتيها أمامه. تمرر أناملها.. تشعر أن الجمل ينهض من سقطته.. يُعانق الفضاء بشموخ سنامه.. يرمق السراب بعينيه اللامعتين..
وقوفه بهدوء يدعوني لامتطي ظهره وأغرس أناملي في صوفه المشابه للرمال الناعمة..
أجد أنني ارتفع عن الصحراء واحتضن في حقيبة أمتعتي ضوءاً ينبعثُ من ثقب الذكريات فينير القوافل التائهة.!!
الجمل يسير ببطء.. الشمس تقترب من قمة الجبل بضوء شفيف وحلم امتصته خطوط الضياء ليتشرنق في قلب الصحراء.
***
الجمل يُعلن المواجهة بين ذل الانكسار وبين أمواج رملٍ يُريد أن يدفن جسمه المهيب وعيناه اللامعة وهياج يُعلن للعدو سطوته وقدرته على حماية أرضه؟؟
أين هي أرضه التي تُريد الأقدام العابثة أن تهزمه بل ترديه قتيلاً ببتر أقدامه وانتزاع شموخ سنامه.
أجد أن الأرض أمامي تهتز.. فجوات في قلب الرمل من وطأة أقدامه.. ومع سرعة لهاثه اتشبث بعنقه.. أتحسس حنجرته التي تُصدر أصوات مُرعبة!!
هل القوافل تضمن لي الأمان أم هذا الجسد الممتلئ الذي يفقد صوابه وقد اسقط على الأرض وأصبح فيما بعد جسداً تُغطيه الرمال؟!
***
النجوم أراها تقترب، القمر يتوسط السماء ينثر رداءه الفضي على الجبال الشاهقة..
على رأس جبل مُظلم ارتمي بجسدي الهزيل، كسور مؤلمة، جراح نازفة، ثوب أبيض تحوّل إلى شقوق تنبعث منه رائحة التراب!!
شعري الذي يغطيه رداء شبيه بلون البياض.. اتحسس (الوشم) بكفي ارى تدفق الدماء، أجده يمتز بقشور سوداء.
(الوشم) يختفي من وجهي، تندفن معالمه مع الدماء، كما يندفن جسد الجمل في هذا الظلام الذي يلف المكان..
هل الجمل هو الذي رمى جسدي أم أن حالة الاغماء التي سيطرت على عقلي ثم لفظت معها حقيقة انتمائي لهذه الأرض الرملية؟!
صهيلٌ يتردد من بعيد.. ضوء يقترب..
أنادي بصوتٍ يعود بوهنه.. ضعفه.. إلى رحم المتاعب.. تتساقط دموع مالحة.. ترتشفها شفاه مشققة..
***
أيتها القوافل توقفي هأنذا أريد أن امتطي صهوة الانطلاق وادثّر جسدي باجمل الملابس التي تحملينها.. واجفف ظمأ الصحراء بدلو الصفاء الذي تحملينه في سراجك المضيء..
توقفي أيتها القوافل لا أريد ان أبقى هنا وحيدة.. حتماً ستعرفيني بشيءٍ واحد هو بقارئ في هذا المكان..
القافلة تمر أمام الجبال.. بيني وبينها صخرة جامدة صدى واهن يعود إلى اكفي النازفة..
أنهضُ مسرعةً.. أركضُ ببطء حيناً وحيناً آخر أقاومُ كبوة السقوط لانهض بشموخ كسنم الجمل المُعانق للرياح بأشرعة الإرادة!!
***
أمامي وأمام القافلة فجوات لاتستطيع أن تردمها رمال الصحراء ولا جسد الجمل الممتلئ!!
***
أسقطُ في جوفها.. أصرخ بعمقٍ.. وصهيل..
المنبه يتردد في أرض غرفتي معلناً امتطي صهوة الصباح الجميل ووجوب اللاحق بقافلة العمل المُضني!!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved