Friday 6th August,200411635العددالجمعة 20 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

قصة قصيرة قصة قصيرة
الوصول وحيداً
فهد المبارك

لم تكن تعلم (صهدة) أن القدر يخبئ لها موقفاً لن تنساه مدى الحياة؛ لأنها بكل بساطة هي من صنعت ذلك القدر. تبدأ قصة (صهدة) عندما لم تستطع الأسرة الصغيرة المكونة من الأم والأب والصغير، الذي لم يتجاوز السادسة، أن تصبر على قلة ذات اليد،وأن تؤقلم نفسها على العيش في هذه القرية التي ينخر الفقر أهلها من كل جانب.. حاولت (صهدة)، وهي الخبيرة بالبيع والشراء (دلالة.. حسب لغة ذلك العصر)، أن تغير هذا الحال، فهمست في أذن زوجها وحبيبها بأن الرحيل من هذه القرية هو الحل الذي لابد منه، رغم أن البعد عن الأهل والأحباب قد يزيد من العناء الذي لا يحتمل الزيادة. لم يكن أمام الزوج إلا أن يرضخ لكلام زوجته، متعلقاً بأي قشة تنقذه وتنقذ هذا الطفل الذي يقتله بكاؤه في اليوم ألف مرة.
ودعت (صهدة) وزوجها القرية، وهما يحلمان بحياة جديدة نسجتها أحلامهما المشتركة، والتي كلها تنظر في اتجاه الطفل عله أن يحيا حياة تختلف عما قاسياه في سنين مضت. كان الاتجاه شمالاً حيث الأرض المربعة.. فلعل (صهدة) أن تجد في أهل تلك البلاد نساء يستطعن شراء ما تستطيع أن تصنعه بيدها، أو ما تجلبه لهن من حاجيات النساء، وما أكثرها.. كانت وسيلة السفر قدمين حافيتين (وبقشة) فيها بعض من تمر وخبز، وقربة ماء لم يكن يشرب منها سوى الطفل!. كانت الرحلة شاقة ومضنية، وها هو اليوم الخامس يوشك على الرحيل وهواء الشمال يلفح تلك الأجسام النحيلة ببرد لا يطاق.. الطفل -وحيدها وفلذة كبدها الذي جاد الله به عليها- يرفض المسير ويبكي بكاءً مريراً.
حاول الأب أن يحمله فلم يستطع؛ فالقوى منهكة والجوع والعطش والبرد قد هدّ الحيل وأخار القوى.
(صهدة) تمسك بيد زوجها وتقول: هيا لنكمل المسير. نظر الأب إليها غير مصدق ما يسمع، وطلب أن تعيد ما قالت فصعقته مرة أخرى بنفس العبارة (دعه ولنواصل مسيرنا وإلا مُتنا معه).
نظر الأب إلى الابن المستلقي، ثم رمق صهدة بنظرة فهمت فحواها, كانت تلك النظرة تقول لها بأنه لن يغادر بدون الصبي، حتى لو كان الثمن موتاً محققاً.
صهدة.. يا لقلبك القاسي. بدأت (صهدة) تختفي في الصحراء متجهة ناحية الشمال, لم تكن صهدة جاحدة ولا ناكرة للجميل، ولكنها علمت بأنها لو بقيت لفنيت معهم، كان لا بد لواحد منهم أن يواصل المسير، واختارها القدر هي.
وصلت صهدة إلى حلمها.. فها هي في المكان الذي تمنت الوصول إليه، لكنها لم تعلم ولم يدر في خلدها بأن وصولها سيكون وحيداً.

عنيزة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved