Thursday 5th August,200411634العددالخميس 19 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

برميل النفط ومستقبل الخوف برميل النفط ومستقبل الخوف
عبد العزيز المهنا

وصل سعر برميل النفط من مزيج برنت إلى 44.93 دولاراً في تداولات الصفقات الآنية في الأسبوع الأول من شهر أغسطس الحالي، وتشير مصادر بترولية أنه في حال استمرار صراع الشركات في زيادة المخزون فإن سعر البرميل قد يلامس الخمسين دولاراً في الأسابيع الثلاثة القادمة، وفي الوقت الذي يحاول فصل الشتاء القادم أن يكون أفضل من سابقه تقوم مؤسسات بترولية بتصنيع مخاوف جديدة أمام المستثمرين مفادها أن المضاربين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام مصير مظلم ينتظرهم ما لم يتحفزوا لاستقبال هذا المصير وذلك ببيع أكبر كمية ممكنة قبل أن يهبط برميل النفط من أعلى ناطحة سحاب في الولايات المتحدة.
كثيرون كانوا من مشاهدي مسرحية النفط التي بدأت عام 1983م حيث تلاشى فيها ذلك الهرم ليصبح بفعل الظروف مجرد رتق في الأرض لا يثير القلق ولا يجلب الانتباه، كان برميل النفط في أوج تقدمه وارتفاعه، وكانت هناك آمال تقوده فوق السحاب، لكن تلك الآمال كانت ستنسخه من ذهنية لا تعرف سوى الرقم (50) على أنه الرقم الحلم لسعر برميل النفط.
وفجأة وصل سعر البرميل إلى 9 دولارات للبرميل بل إن هناك صفقات تم إبرامها بأسعار تصل إلى 7 دولارات للبرميل.
وعلى أواخر الثمانينات كانت هناك مؤسسات نفطية تعلن توقف أعمال التنقيب واستخراج النفط لأن تكلفة الانتاج تساوي تكلفة البيع، ومن هنا بدأت القصة ذات الفصول المثيرة للنفط وأسعاره ومستقبل الخوف الذي يسيطر على أذهان المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
ليست الولايات المتحدة وحدها من يطلب النفط، بل هي الآن جزء صغير من أجزاء أصغر أو مماثل له موقعه في ساحة الأمل والعمل وصراع الأطماع.
فالصين التي كانت من الدول المصدرة للبترول هي الآن تبحث عن السبل لاستيراد كميات كبيرة من البترول.. ودول أوروبا الغربية أقامت اتحاداً صناعياً فيما بينها واندمجت عدة شركات صناعية صغيرة في أوروبا لتتكون بها شركات كثيرة ومتوسطة ولم يعد لقطاع الطاقة والنفط في أوروبا بد من الوقوف في الصف للحصول على كميات مناسبة من البترول وتابعتها دول آسيا الصناعية وهكذا بدأت خيوط القصة تبحث عما يماثلها من أحداث لترى مستقبلها بوجه يختلف عن تلك الوجوه لكي يدرك المتعاملون بالنفط من منتجين ومستهلكين أن التاريخ لا يعيد نفسه عبثاً وإنما تعود الأحداث لتتكرر أمام من يريد دخول التاريخ من جديد.
في العراق حيث الاحتياطي الهائل من النفط والمعادن النفيسة لم يعد هناك ما يدعو للقلق فقد تغير اللسان البغدادي ذو اللهجة الحادة وحل محله لسان آخر يتحدث اللغة الإنجلزية ويلبس الجلباب ولم يكلف غزو هذا البلد سوى ألف قتيل نصفهم تم جلبه عن طريق الارتزاق.
وهكذا نجحت العملية وانتهت اللعبة كما قال محمد التكريتي مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة. وفي السودان أرض بكر سوداء اللون ظاهرها يشبه باطنها، فالوجوه السمراء والاجساد العارية يمكن انقاذها باسم الإنسانية لتعود الشركات النفطية للعمل من دارفور دون خوف من الجانجويد أو العصابات الأخرى التي كانت تساوم على الأمن مقابل لقمة العيش. وهكذا تعود الصور من جديد إلى ملف قضية لا يزال مفتوحاً في انتظار الجناة.
البترول في آسيا وفي إفريقيا ليس وحده من يعيد تشكيل الأحداث، فهناك مصادر طبيعية أخرى كانت في الماضي أساساً لمثل هذه الأحداث.. لكن برميل النفط لا يريد أن يرى نفسه في مهاوي الغرق فهو سبق وأن عاش مأساة الغرق، لذا كان لا بد من ظهور وجوه جديدة تتحرك على الساحة لتأخذ موقعها في خريطة الأطماع الدولية.
في الجولة الأولى من الصراع على النفط لم يدم سعر البرميل مدة طويلة في الثمن البخس.. فخلال ست سنوات عاشها برميل النفط في أتون الغرق استطاع أن ينقذه أهله عام 1989م عندما تم اشعال فتيل حروب سياسية واقتصادية أنقذت برميل النفط من الهاوية وعاد سعر البرميل يتراوح بين 16 إلى 22 دولاراً على مدى أثني عشر عاماً، والآن وبعد تجربة البترول في الصراعات ها هي ملامح مسرحية جديدة تقودها الشركات البترولية يمكن أن تؤدي إلى سيناريوهات لقصص أخرى تختلف عن تلك القصص المألوف للأطياف المألوفة.
لقد شهد عام 2004م منذ أول أيامه استعراضاً لقوى لم تكن ترى نفسها في يوم من الأيام جزءاً أساسيا في معادلة الصراع الدولي، ربما كانت مصدراً من مصادر تمويله، لكنها لم تكن قوة مباشرة فيه، أما الآن فقد قامت بإجراء مناورات عسكرية مشتركة واستعراضات عسكرية في البر والبحر لتعطي الأدلة القاطعة أنها حضرت القسمة ولم تأخذ نصيبها لذا فهي مضطرة لأخذ نصيب أكبر على الساحة خاصة وأنها الأقرب إلى مصادر الطاقة زماناً ومكاناً من الطامعين التقليديين.
لقد كانت أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق هي تلك التجمعات التي تعد أسود الغابة في حين يمكن اسباغ أسماء حيوانات أخرى على تجمعات أقل قوة وتأثيراً، فنمور آسيا وثعالب أمريكا اللاتينية كانت تقف في مدرجات الصراع دون أن تسبب الكثير من المخاوف.
أما الآن فإن الصين ترى نفسها الوريث الأول للاتحاد السوفيتي من حيث الهيمنة والقوة ومن حقها أن يكون لها نفوذ وقوة وكلمة في مستقبل الثروات الطبيعية في العالم الذي يمتلك هذه الثروات ولا يستطيع حماية نفسه.
برميل النقط يمكن بسياسة القائمين عليه أن يلعب على التناقضات الجديدة لعبة مضمونة النجاح يمكن أن تغير أركان المعادلات السياسية وتجعل برميل النفط يمتلك المقدرة على ديمومة الحياة ولا يمكن بفعل المفاهيم الجديدة أن يرمى به من أعلى شاهق ليتحطم أو يتحول إلى مادة طبيعية مشاعة لا تحتفظ بها الآنية.
برميل النفط له عدة أياد وعدد من الألسنة ويمكن أن يتكلم بلغة معهودة يفهمها التقليديون من الطامعين، ويمكن أن يتحدث بلغة أخرى لا يفهما سوى أهله وعندئذ لا يمكن للطامعين معرفة أسرار تحركاته إلا عن طريق مترجم وعندئذ تتحول مفاهيم الطمع وتتغير خريطة الأطماع.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved