Thursday 5th August,200411634العددالخميس 19 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

فيض الضمير فيض الضمير
الأدب الإسلامي ومعارك
الاختلاف عليه (2-4)
د. محمد أبو بكر حميد

ليس شرطاً أن نعطي إعجابنا لمن نتفق معهم فيما نعتقد من رأي أو نهوى من خصال لأن الرأي يحمل دائماً مجال الاجتهاد إذا لم يكن في الثوابت العقدية، وليس من حق أحد أن يصادر رأي الآخر أو يمنعه من الاجتهاد ويفرض عليه رأياً واحداً إن خالفه وضعه في صف الأعداء.
هذا الأسلوب المستبد يهدم أهم أساس من الأسس التي ظهر وانتشر بها ديننا ودخلت بسببه فيه باقي الأمم ألا وهو العدل الذي يعد أعلى مراتب التقوى في الإسلام.
وما دمنا جميعاً متفقين على الإسلام عقيدة ومنهاج حياة فديننا يتسع للاختلاف وتعدد الآراء والاجتهاد، المهم ان نحسن الظن بالمجتهد، وكل مجتهد صاحب رأي، ومن حقه علينا ان نناقشه في رأيه ونصف له ما نعتقد انه صحيح، ومن واجبه نحو نفسه ودينه وأمته أن يلتزم الحق إن رأى نفسه قد أخطأ في اجتهاده، والحكمة ضالة المؤمن.
لهذا فإن اختلافي في الرأي حول مفهوم الأدب الإسلامي لدي الصديق الدكتور محمد عبدالله العوين لا يقلل من إعجابي بقلمه الرصين وأسلوبه الجذاب وفكره الجاد وأعد كتابه الأخير (كلمات.. معاركة أدبية ودراسات نقدية) إضافة حقيقية لمكتبة الأدب العربي السعودي دراسة ونقداً، وما جمعه فيه من مواد تليق بالظهور والبقاء والمناقشة، وما أرغب في مناقشته هو الجزء الخاص بالأدب الإسلامي الذي بدأت الحديث عنه في مقال الأسبوع الماضي.
المقال الذي تهمني مناقشته هو المقال الأول الذي حمل عنوان
(الأدب الإسلامي.. مدينة فاضلة لا يعيش فيها إنسان)، أما الموضوعات الأخرى فهي عبارة عن ردود على ردود تتراوح بين الدفاع والهجوم مما لا يجب أن نتوقف عنده، لا أتفق مع أخي د.العوين في العنوان الذي وضعه لمقاله فهو فنياً عنوان تقريري لأنه عبر فيه عن رأيه وحسم الأمر أمام القارئ واعطاه النتيجة قبل أن يقرأ المقال بأن (الأدب الإسلامي مدينة فاضلة لا يعيش فيها إنسان) ولو قال (الأدب الإسلامي مدينة فاضلة.. ولكن!!) أو قال:
(الأدب الإسلامي مدينة فاضلة ولكن هل يستطيع ان يعيش فيها أناس مثلنا؟) أهم ما في العنوان الصحفي الناجح ان يتجنب الكاتب العنوان التقريري الذي يفصح عن رأي الكاتب قبل ان يقرأ القارئ المقال فيضيع عليه متعة التشوق لمعرفة الرأي.
ثم أقام أخي العزيز الدكتور محمد رأيه في الأدب الإسلامي من خلال اجتهاده وتفسيره للظروف الشخصية التي عاشها دعاة هذا المصطلح والمرحلة التاريخية التي ظهر فيها، والبيئة الاجتماعية التي انطلق منها أول دعاته. وخلاصة اجتهاده أنه أولاً يرى أنه إذا جاز ظهور الدعوة للأدب الإسلامي في بيئات غير إسلامية مثل الهند التي ظهرت فيها هذه الفكرة أول ما ظهرت على يد أبي الحسن الندوي، فإنه لا تجوز الدعوة لهذه الفكرة (في وسط لا يحتاج إلى من ينعت حالاته الاجتماعية والأدبية أو الفنية ب(الإسلامية) لأنه كذلك بالضرورة وإن اختلف هؤلاء المسلمون في التفاصيل...) (ص51)
وثانياً: إنه ربط فكرة الأدب الإسلامي بتاريخ أشخاص (مفكرون عرب نتيجة لاضطهاد سياسي وفكري أو لتحولات نفسية وذاتية بتحلية وتزيين لهذا المنهج الذي نبت في الأصل في بيئة غير إسلامية) (ص50)
ثالثاً: ربط بين فكرة الأدب الإسلامي وأفكار سياسية وعقدية أثارت جدلاً وخلافاً إلى اليوم مثل فكرة الجاهلية والحاكمية وغيرها.
هذا جانب من جوانب اجتهاد أخي الكريم د.محمد العوين ربط فيه فكرة الأدب الإسلامي بالظروف التاريخية سياسياً وفكرياً ومكانياً، ولكني أرى أنه مهما رأى في هذه الظروف من عيوب فإنها لا تعيب الفكرة نفسها، فكما ان الإسلام دين عالمي فالأدب الإسلامي مثله لا يعيبه ان ظهرت الدعوة له في الهند وليس جزيرة العرب، وليس لفكرة رابطة الأدب الإسلامي منذ نشأتها صلة بالفكر السياسي الجدلي الذي طرحه المودودي وسيد قطب، لهذا فإني استغربت الفرضية التي انطلق منها أخي العزيز د.العوين في اجتهاده حين اعتبر الدعوة للأدب الإسلامي امتداداً لدعوة دعاة أسلمة المجتمع ثم يقول (... ثم يعمقون قضية هذه الأسلمة للنص الأدبي إلى المطالبة بأسلمة الواقع فذلك كفر بهذا الواقع وانكار لاسلاميته، فليس الأدب المتطلب إسلامه إلا صورة للواقع المتطلب إسلامه أيضاً) (ص50).
هذه فرضية افترضها اجتهاد أخي الدكتور محمد وهي من منطلق حرصه على الدين والأدب معاً ولكن ليس في أدبيات الأدب الإسلامي وفكره ونظام رابطته ما يدعم هذه الفرضية، ولو كانت تلك الفرضية صحيحة لما سمح لرابطة الأدب الاسلامي ان تفتح فروعاً لها في العديد من عواصم البلدان العربية والإسلامية ومنها المملكة.
وهنا لابد من التذكير بأمرين أولهما:
أن رابطة الأدب الإسلامي العالمية رابطة أدبية محضة نص نظامها الأساسي على البعد الكامل عن السياسة بكل أشكالها
وثانيهما: أن رابطة الأدبي الإسلامي تنطلق في تصورها الإسلامي للإنسان والحياة والكون من كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) مما اتفق عليه السلف الصالح بعيداً عن الإشكالات والتأويلات والنظريات التي أطلقها بعض المفكرين الإسلاميين المحدثين الذين أثاروا جدلاً وانقساماً في المجتمعات المسلمة.
لو وقف أخي العزيز الصديق الدكتور محمد عبدالله العوين بتأنٍ عند هذين الأمرين لما تعجل في وضع تلك الفرضية التي أدت إلى نتائج لا تنطبق على الأدب الإسلامي ولا على رابطته، لقد أدت تلك الفرضية والنتائج التي خلص إليها إلى عدم وضوح مفهوم الأدب الإسلامي لديه، وهذا ما سأناقشه الأسبوع المقبل إن شاء الله، ويظل الشكر موصولاً له على اجتهاده.. اجتهاد المخلص للدين المحب للأدب الحريص على إظهار ما يعتقد انه حق حتى يثبت له عكسه وهذا سر محبتي لشخصه وإعجابي بما يكتب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved