Thursday 5th August,200411634العددالخميس 19 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

ملامح من الجاهلية الأولى والثانية! ملامح من الجاهلية الأولى والثانية!
فهد الحوشاني

مر على الجزيرة العربية جاهليتان: الأولى كانت قبل بعثة رسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وكانت مرحلة مظلمة من تاريخ العرب إلى أن أشرقت شمس الإسلام؛ لينطلق سكان هذه البلاد بعد ذلك يحملون مشاعل العلم والإيمان إلى كافة أنحاء الدنيا.
أما الجاهلية الثانية فهي تلك التي أطفأ نارها المتوقدة مرسي قواعد الوحدة والأمن والإيمان المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ حيث كان القتل والنهب والسلب والاعتداء هي أبرز ملامح الثقافة السائدة، وكانت القبائل تتطاحن فيما بينها؛ قويُّها يفتك بضعيفها!
الجاهلية الأولى -وكما هو معروف- أفرزت اللصوص الأحرار أو ما يسمون بالصعاليك الذين يعملون لحسابهم الخاص! وفي الجاهلية الثانية اشتهر الحنشل وقطاع الطرق. والنتيجة واحدة، فعندما ينحرف الفكر ينتج حتماً السلوكيات المنحرفة التي منها ما يبرر حمل السلاح بهدف قتل الإنسان لأخيه الإنسان! وكان الواحد منهم متى ما غزا وعاد يسوق أمامه الغنائم التي استولى عليها بدون وجه حق فتلك هي البطولة التي يحقق من خلالها مركزه الاجتماعي في القبيلة! ليدخل المضارب مزهواً بما فعل واضعاً نفسه في مرمى أعين (الغنادير) المعجبات والمتمنيات أن يحظين به زوجاً؛ ليحقق بعد ذلك النجم من سفك الدماء و(قطع الرؤوس) ذياع الشهرة، وليمتدح بعد ذلك نفسه بقصائد يتغنى بها السمَّار ويتناقلها الرواة بأنه مقدِّم العشاء المجاني من اللحم البشري للذئاب والنسور الجائعة التي تأكل لحم إخوة له في الدين من أبناء هذه الأرض!
هكذا كان الحال قبل توحيد المملكة بعد أن غابت القيم الدينية الصحيحة، وبسبب ذلك البلاء تم فناء أعداد كبيرة من الرجال والشباب والأطفال والنساء بدافع من ثقافة تبرِّر الاعتداء على الآخرين وقتلهم دون مراعاة لحرمة أرواحهم أو ممتلكاتهم!
ولقد تبدَّل الحال بعد أن توحدت البلاد وعادت راية الإسلام الصحيح الذي يدعو إلى الحق والفضيلة وعصمة (دماء المسلمين) وأموالهم كما أمر بذلك رسول الله في خطبة الوداع. هذه المبادئ تم تطبيقها بعد مجيء الملك عبدالعزيز الذي جاء ليحكِّم الشرع، ويحقن الدماء، ويعمل على احترام الحقوق وتوجيه الطاقات ليس للغزو والنهب والسلب والاعتداء على الآخرين الآمنين، ولكن للنماء والإعمار والاستقرار والحفاظ على الممتلكات، وما زلنا نجني ثمار جهوده حتى اليوم! الأمر المؤسف أننا دون وعي تلقينا عناصر التراث الشعبي الذي أفرزته تلك الفترة، وخاصة النوع الذي يمجد الغزو والاعتداء والعدوانية بقصصه وقصيده دون تمحيص ونقد! وأصبح يذاع في برامجنا وصفحاتنا الشعبية وبعض الأشرطة المسموعة مردِّدين ما قاله أبطال الغزو والاعتداء بأنهم شجعان وبأن أفعالهم نموذج للبطولة والرجولة.
والشواهد في هذا المجال كثيرة، والكثيرون يعرفون ماذا فعل مَن قالت له زوجته قصيدة ما زالت تتردد على المسامع، ومنها هذا البيت المشهور:


الزول زوله والحلايا حلاياه
والفعل ما هو فعل واف الخصايل!

الأمر الجيد أنه لم يعد لتلك الثقافة بملامحها الجاهلية أي تأثير؛ حيث اندثرت بحمد الله فعلياً مع انتهاء تلك الفترة المظلمة، ولم يتبقَّ إلا ذلك التراث الشعبي الذي يحكي صورة المأساة التي كان يعيشها سكان هذه البلاد قبل توحيدها؛ لأن هذا المجتمع (المتدين المتمدن) ليس لديه استعداد بأن يرحب بأية أفكار تنتمي إلى تلك الفترة مهما كانت الدوافع التي تدعو لها! وليس لديه استعداد بأن يرحب بعودة فرسان الدم والقتل مرة أخرى وإن كانت صورهم وأهدافهم مختلفة! ومَن يروجون لهذه الأفكار العدوانية تحت أي مسمى سيشعرون بأنهم قد جاؤوا في التوقيت الخطأ؛ لأن زمانهم ليس الآن، بل في الجاهلية الأولى أو الثانية؛ حيث يمكن أن يجدوا لأفعالهم و(بطولاتهم) المزعومة مبرراً مقبولاً ومتسقاً مع التفكير والسلوك العام، وسيجدون أيضاً مَن يتغنى بها شعراً ويحكيها قصصاً في مسامراته الليلية بينما تعوي ذئاب الصحراء تنتظر عشاءها المعتاد!!
فاكس 4910053


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved