Wednesday 4th August,200411633العددالاربعاء 18 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
الكتابة للتلفزيون
عبد الله بن بخيت

عندي فكرة أتمنى أن توصلها لطاش ما طاش. دائماً ما أصادف من يقول لي هذا، لا أستمع إليه، بل أطلب منه أن يكتبها على ورق ويرسلها لي بالفاكس أو بالإيميل، 90% منهم ينسى الموضوع، فهناك فرق كبير بين الفكرة التي تدور في ذهنك وبين الفكرة إذا وضعتها على الورق فهذه تختلف عن هذه تماماً حتى بالنسبة للكتاب المتمرسين. غالباً يبدأ الكاتب المتمرس الكتابة وفي ذهنه فكرة معينة وفي النهاية ينتهي إلى فكرة مختلفة تماماً. إن فشل كثير من الناس في تسجيل أفكارهم على الورق يعود إلى العناد. الكاتب المتمرس لا يعاند تحولات الفكرة أثناء الكتابة لأن إجراءات التفكير الحر تختلف عن إجراءات التفكير بالقلم والورقة، فالتفكير الحر سريع ومتخبط ويختلط بالهواجيس. أما التفكير أثناء الكتابة بطيء ومنظم ويفضح ضعف وزيف فكرتك إذا كانت مجرد وهم. أو على الأقل يزيل عنك فرحك بها. ما كنت تعده تمثيلية كاملة ستراه لا يتعدى ثلاثة أو أربعة أسطر. والذي يقهرك أنك تشاهد يوميا عشرات الأفلام وعشرات المسلسلات، أعمال لا تنتهي أبداً، من أين يأتي هؤلاء بالأفكار؟ أعتقد أن كثيراً من الذين يحاولون كتابة قصة أو تمثيلية تلفزيونية يصرون على الواقع، يصرون على ترجمة الواقع إلى نص إبداعي، بمعنى آخر يصرون على إخراج قدرات خيالهم من العمل، أو بعبارة أكثر وضوحاً هؤلاء يبحثون في واقعهم عن قصة لا يكتبون قصة تلفزيونية، فالقصة التلفزيونية مصدرها الخيال حتى لو بدأت من الواقع، على فكرة الحد الفاصل بين الواقع والخيال صعب تحديده.
الشيء الذي أريد أن أقفز إليه حتى لا تنتهي هذه الحلقة إلى فلسفة فاضية، هناك شيئان أظن أنهما مهمان: الأول وهو شيء بديهي، أنا على ثقة أن كثيراً من الأخوة سيوافقون عليه وهو أن الإنسان لا يمكن أن يتعلم من فراغ لابد أن يشاهد أكبر قدر من التمثيليات ليكتب تمثيلية. بعضهم لم يشاهد في حياته سوى طاش ما طاش ويريد أن يكتب تمثيلية بل ان بعضهم يتفرج على طاش ما طاش وهو ضارب له ثلاث وعشرين حبة لقيمات وآخر وحدة مازالت ناشبة في حلقه ما دحدرت. شخص كهذا لا يمكن أن يكتب تمثيلية، لم يتوصل إلى شيء يسمونه الإنجليز الباراديم (Paradigm) لم يتشكل في ذهنه نموذج أو مثال، كلمة سريعة في هذا الموضوع مهمة جدا لو ذهبت إلى الغابة وسألت رجل الغابة عن الطاولة فلن يفيدك بشيء لأنه لم يشاهد طاولات كثيرة أما بالنسبة لك فهناك تصور واضح عن الطاولة شاهدت في حياتك طاولة طويلة وطاولة قصيرة، طاولة حديد، طاولة خشب، طاولة أمريكية وطاولة صينية إلخ.. إذاً أنت أفضل من رجل الغابة في مفهوم الطاولات فلديك تصور عام عن الطاولة لكن هذا التصور لا يمكن أن ينافس تصور الإنسان الذي يعمل في صناعة الطاولات لأن هذا الأخير تفحص الطاولة بشكل متعمد وعملي تفحص أرجلها تفحص دهاناتها تفحص مادتها تفحص تصاميمها. فضراب اللقيمات الذي ذكرناه قبل قليل لم يشاهد سوى طاش ما طاش فمن غير المعقول ان يكتب تمثيلية. لا يوجد في ذهنه تصور شامل (بارادايم) لصناعة التمثيليات. هذه نقطة والنقطة الثانية المهمة أكثر هي أن العمل الإبداعي لا يبدأ بفكرة أو بقضية وإنما يبدأ بإجراء حتى أن كلمة فكرة أصلا لا معنى لها. وإذا أردت أن تتحقق من كلامي هذا خذ ورقة وقلم وحاول أن تعرف كلمة فكرة. سوف ترى أنها كلمة غامضة وخداعة، إن ما نسميه فكرة هي في الواقع عملية متطورة متحركة كالسير في الأماكن المزدحمة مليئة بالاحتمالات والتفرعات والارتدادات والنهائيات المفاجئة. أو حاول أن تحدد فكرة هذ المقال الذي تقرأه في هذه اللحظة ستلاحظ أن الفكرة متحركة تتغير بعد كل سطر.. إذا مشكلتك في كتابة التمثيلية لا تكمن في قلة الأفكار أو في كثرتها وإنما في موقع آخر هو الإجراءات.
هذه لا يمكن أن تتضح إلا ببعض الأمثلة ومساحة الزاوية لا تسمح بالتمدد أكثر لذلك نؤجلها إلى يوم السبت.
لا يوجد فاكس لأني أكتب من خارج المملكة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved