من الأمور المسلم بها أن الموارد المالية المتاحة للحكومة تظل محدودة بالنسبة لحجم الإنفاق المطلوب، ذلك أن هناك العديد من البرامج التي تتزاحم فيما بينها للحصول على حصة من هذه الموارد، وقد أدت هذه الحقيقة إلى ابتكار مجموعة من الأدوات الهادفة إلى تقليص الفجوة بين الإيرادات المتاحة والإنفاق المطلوب، وإلى تحقيق الاستخدام الأمثل لكل ريال ينفق، ومن هذه الأدوات التقويم الدوري لبرامج الإنفاق العام على اختلاف أنواعها، إذ إن تخصيص مبلغ من المال للإنفاق على قطاع معين لم يعد إنجازاً في حد ذاته، إذ ربما وجه هذا المبلغ لكنه لم يحقق الأهداف الموضوعة، أو كان المتحقق أقل من المفترض.
وهنا يكمن أحد أسباب الهدر في الإيرادات الحكومية، وأحد أسباب عجز الميزانية العامة، وما يؤدي إليه من تزايد في المديونية العامة، ولأجل ذلك فما نبحث عنه هو تحقيق الأهداف الموضوعة بأقل كلفة ممكنة، أو تحقيق أفضل استخدام ممكن للمبالغ المرصودة، ولا يتأتى هذا إلا باتباع منهجية معينة ذات معايير واضحة محددة لتقديم برامج الإنفاق العام، والتي يفترض أن تكون أهدافها واضحة محددة بشكل يسهل قياسه والتعرف على مقدار ما تحقق منها.
ويمكن تصور الفرق بين الحالتين من خلال هذا المثال، فربما تخصص مبلغ مليون ريال لإنشاء مستشفى بسعة مائة سرير، ونعد هذا الإنجاز غير مسبوق، لكن الأفضل من هذا التأكد من عدم إمكانية إنشاء مستشفى بسعة مائة وخمسين سريراً بهذا المبلغ، أو إنشاء المستشفى ذي المائة سرير بمبلغ أقل من المليون، وفي جميع الحالات يظل التأكد من كون المبلغ المخصص قد حقق الأهداف التي رصد لأجلها.
وتطبيق هذا الأسلوب في إدارة وتوجيه الإنفاق الحكومي يسهم في ترتيب أولوياته بشكل أكثر منطقية، ويساعد على التقليل - وربما التخلص - من الإنفاق على الجوانب الشكلية والتفاخرية والحفلات والمآدب، وكل ما لا يؤدي إلى توفير خدمة حقيقية للمواطن، وتوجيه ما يخصص لها نحو الإنفاق على السلع والخدمات الأكثر أهمية في حياة الناس.
كما أنه يلزم المؤسسات الحكومية المقدمة لبعض الخدمات التي لم تضع لها أهدافاً واضحة ومحددة ومعايير قياسية بأن تفعل كذلك، ويصرف هذا على بعض المؤسسات الحكومية التي عادة ما تكون أهدافها عائمة يصعب قياسها - أو يراد لها أن تكون كذلك - مثل المؤسسات الإعلامية الحكومية التي تتحول الوسائل والأدوات عندها إلى أهداف، ويصبح البث لمدة أربع وعشرين ساعة على سبيل المثال هدفا في حد ذاته، ومتى تحقق يصبح إنجازاً، وتصبح إضافة قنوات جديدة هدفا، وفيما بعد إنجازاً بدون أن تكون هناك صياغة واضحة محددة للأهداف الحقيقية من وجود هذه المؤسسات ومزاولتها لنشاطها فضلا عن وجود معايير دقيقة وواضحة لقياس درجة تحقيقها لأهدافها.
تتأكد هذه المفاهيم في ظل التوجهات الأخيرة نحو الخصخصة وزيادة مشاركة ومساهمة القطاع الخاص التي لا تعني مجرد نقل الملكية إلى القطاع الخاص وليست هي الغاية النهائية، وإنما هي وسيلة لزيادة كفاءة القطاعات الاقتصادية وزيادة إنتاجيتها والارتقاء بمستوى وجودة السلع والخدمات المقدمة.
|