Wednesday 4th August,200411633العددالاربعاء 18 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

حوارات مستقلة حوارات مستقلة
من أجل فهم مشترك لتطوير العلاقات السعودية الأمريكية
محمد بن ناصر الأسمري

شاركت منذ أسبوعين في حوارات مستقلة على قناة المستقلة في مدينة لندن مع البروفيسور روبرت فريدمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة باليتيمور العبرية في ولاية ميرلاند الأمريكية وسعدت بمشاركة الزميلين الكريمين الأستاذ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء وكلية الملك فهد الأمنية والدكتور مشاري النعيم من الرياض. جاءت المشاركة تحت عنوان لحلقات استمرت ثلاث ليال تحت عنوان: السعودية وتحديات المستقبل والحرب على الإرهاب. الدكتور فريدمان ربما هو من نفس قبيلة توماس فريدمان الكاتب في صحيفة النيويورك تايمز! ولا مشكلة أن كانا يهوديي الديانة فالحرية لكم دينكم ولي ديني، وقد تبين الرشد من الغي.
أحترم في الرجلين حرية الرأي وقد لا أتفق مع بعض من طروحاتهما وكذلك من تحاورت معه لمدة ساعتين على الهواء!
نحن شركاء في القيم الإنسانية الرفيعة التي لا تخضع لدين ولا ملة ولا عرق أو لون مثل العدالة والأمانة والوفاء بالعهد والحرية والكرم والشهامة والعون والغوث! وبالطبع لنا اختلافاتنا الثقافية والإيديولوجية وهذا لا عيب فيه ولا معضلة والحكمة ضالة لكل مؤمن أياً كان إيمانه والعلم فكر مشاع في الابتكار والاكتشاف والتداول كما هو في صناعات الدواء والتقنيات ووسائط النقل والمعرفة البحثية.لقد طرح السيد فريدمان عدة محاور لم تخرج عن نمطية تفكير ربما هو قائم في أساس كثير من عناصره على ثقافة الآلة الإعلامية التي هي في الغالب لا تنقل وجهي الحقيقة سواء في الإعلام الأمريكي أو السعودي.
هناك تمييز وعيب مهني معرفي في طريقة انسياب المعلومة إلى المتلقي وهو الشعب الأمريكي، يبرز من خلال الانتقائية في الطرح والمعالجة والعرض مما يفتقد في كثير من مساراته إلى المصداقية والموثوقية وبالتالي بناء قرارات أو إصدار أحكام سرعان ما تقود إلى التضليل والخطأ. كذلك الحال مع إعلامنا فهو رسمي الطابع عاطفي ليس له كثير من المصداقية وهو غالباً ما ينحو الطابع الدعائي وإغفال سرد الحقائق مهما كانت شفافة وصريحة وإن كان الحال لا يخلو أحياناً من محاولات في طروحات نخب فكرية قليلاً ما يسمع صوتها وسط ضجيج التمجيد والتعظيم.
طرح فريدمان حقيقة اختلاف السعودية عن بقية الأقطار العربية كونها لم تكن مستعمرة على طول تاريخها. هذا أمر قدرته للرجل وبان لدي أنه إلى جانب كونه أستاذ علوم سياسية فلا شك أنه قارئ ومستقرئ للتاريخ وفلسفته وفقهه لكن بادر إلى طرح شكوى وغضب الأمريكان -هكذا- ولا أعلم أهو يقصد الإدارة الأمريكية أم الشعب الأمريكي -طرح أن السعودية لم تبدِ تعاوناً مع الإدارة الأمريكية في شأن ما حصل من عمل إرهابي في مجمع الخبر السكني عام 1990 -1991 والذي أودى بحياة عدد من العسكريين الأمريكان الذين كانوا ضمن قوات التحالف.في الحرب ضد حرب نظام العراق على الكويت، وهنا فقد أوضحت له أن بلادنا تواقة لكل معلومة تدل على كشف أي عمل إرهابي سواء في بلادنا أو غيرها ولا تردد في مشاركة ومشاطرة أي معلومات تدل على مكامن الإرهاب وأدواته التخطيطية والتنفيذية، وهذا ما حصل في الشأن مدار البحث، لكن الأمر الذي لم ترغب الآلة الإعلامية في الميديا الأمريكية هو أن السعودية قد أبدت تعاوناً كبيراً في بث ونشر وتوزيع وتبادل المعلومات التي كشفت عنها مسارات التحقيقات عن الجناة المحتملين وما له علاقة بالعملية الإرهابية، لكن رجال التحقيقات في الأجهزة الأمريكية أرادوا أن يمارسوا تدخلاً في السيادة الوطنية للسعودية وذلك بطلبهم المشاركة في إجراء التحقيقات وهذا أمر ربما لا يتفق مع ما أورده السيد فريدمان من استقلالية السعودية وعدم خضوعها للاستعمار فكيف بها وهي دولة محورية في السياسة الدولية وفي الشرق الأوسط وقطب الرحى في العالم الإسلامي كقبلة ومحج منذ بعث الله إمام دعوة التوحيد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟؟
كما طرح الدكتور فريدمان مسألة أن 15 سعودياً كانوا من ضمن 19 إرهابياً شاركوا في العمل الإرهابي الذي حصل في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان جوابي: إنني أدين ذلك العمل وأستنكره سواء قام به سعودي أو غيره، وبما أن العمل قد حصل ومات القائمون به فربما أن ما لدينا من معلومات هي غير التي لدى الولايات المتحدة وكان بودنا لو شاركنا في الحصول على معلومات من الإدارة الأمريكية للوقوف على مصادر ومنابع الفكر المتطرف الذي قام بذلك العمل المشين، ولكن بالطبع لن نقبل أن نطلب المشاركة في التحقيقات لأننا نحترم السيادة الوطنية للإدارة الأمريكية ولا نقر بسياسية التدخلات.
لكن الإرهاب قد قام بعمل مماثل في ولاية أوكلاهوما حين فجر الإرهابي الأمريكي المبنى الفدرالي في أوكلاهوما سيتي وقتل أبرياء مثل ما تم في واشنطن. وليس من العدل ولا المنطق المعرفي ولا السلوكي أن نجير فعل فرد أو بضعة أفراد على مجتمع بأكمله، فنسم الشعب الأمريكي بأنه شعب إرهابي لأن ماكفي قد قام بعمل إرهابي في قتل وتدمير بناية أوكلاهوما سيتي، أو نسم المسلمين أو السعوديين بأنهم شعب إرهابي بسبب عمل فردي.
كان من طرح السيد فريدمان أن أسامة بن لادن سعودي وقد أفتى بجواز قتل الأمريكان والبريطانيين الغربيين، وأن اتباعه ينفذون هذه الفتوى. لقد كان الرد أن أسامة بن لادن من أسرة سعودية كريمة مشهورة في العمل والإنتاج ليس في السعودية فحسب بل في بلدان العالم وأسامة ليس مفتياً ولا مرجعاً للإفتاء، وأياً كان الحال فهو منتج أمريكي وتدريب أمريكي.. مما حدا بالسيد فريدمان إلى الرد بانفعال أن أمريكا قد تعاونت واستفادت من خدمات بن لادن في مقاومة الوجود السوفياتي في أفغانستان ولكن ليس بعد ذلك. وبالطبع هذه المعلومات هي وجها الحقيقة التي لو طرحت في الأخبار وتلقاها المتلقي بحرية لكان في الإمكان الوصول إلى بعض القناعات وتغيير سبل التواصل والخطاب والقرار.
ومن القضايا التي كانت على قائمة الحوار مع الدكتور فريدمان موضوع الديموقراطية وكيف أن السعودية ومعها بعض الدول في الشرق الأوسط قد أفشلت مشروع الإدارة الأمريكية وقمة الثماني وأوروبا لبحث ونشر الديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير. ولقد كانت الإجابة أن طبيعة الناس في أغلب بلدان العالم تواقة إلى الحرية والديموقراطية، لكن الحال مع الإدارات الأمريكية هي فقدان المصداقية، فقد مضى على التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط أكثر من قرنين من الزمان ولم نرَ أي محاولات لإيجاد فكر أو عون لنشر مبادئ الديموقراطية، والعكس هو الصحيح فقد كانت السياسات للإدارات الأمريكية المتعاقبة متجلية في دعم الأنظمة الديكتاتورية والعمل ضد العمل الحر في الممارسة السياسية والاختيار.
ومما يزيد في فقدان المصداقية والثقة هو أن ما قامت به الإدارة الأمريكية الحالية من عمل هو أقرب إلى البدائية منه إلى التفكير الاستراتيجي والسياسات والأهداف والعمل الاحترافي في التواصل والاتصال عبر الثقافات. فلقد كان التفكير السطحي في إنشاء قناة سوا الإذاعية أشبه ما يكون بالإذاعة المدرسية، وكذلك الحال مع قناة الحرة التي لا تختلف كثيراً عن سوا، بل ولعل رصد مبلغ 30 مليون دولار من أجل التدريب ونشر الديموقراطية هو حملة علاقات باهتة ليس لها من سمات ولا مواصفات برامج الحملات الإقناعية التي تتم بناء على دراسات عميقة للجمهور المستهدف وخصائصه والقنوات المفيدة لبث ونشر وإذاعة المحتوى والمضمون واختيار العناصر البشرية ذات المرجعية والمصداقية والتأثير على الجمهور المستهدف.
ولكي تستعيد الإدارات الأمريكية ومؤسسات المجتمع العلمي والمدني الثقة والمصداقية في الشرق الأوسط فالأمر في غاية اليسر، هو العودة للإفادة مما كان قد صنعه الأجداد من الشعب الأمريكي العظيم حيث كان لهم آثار نفيسة لعل من أبرزها بناء أعظم عملين فكريين في الشرق الأوسط منذ قرنين إلى اليوم وهما الجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة اللتان هما من منارات الإشراق والوجه الجميل للشعب الأمريكي ولعلي أشفق اليوم على الأجيال من الشعب الأمريكي عند مقارنة ما يقدم اليوم من دعم واحتضان للإرهاب في مسارات السياسات القهرية والانحياز إلى من يمارس إرهاب الدول، وما كان يقدم من منارات فكرية وأعمال ثقافية جميلة.
بل لعل من أخطر ما عرضت له السياسات الأمريكية سمعة الشعب الأمريكي من خلال إهدار الحقوق المدنية منذ ما بعد 11 -9- 2001 والسلوك الذي تمارسه سلطات الأمن من مضايقات للمسلمين سواء في الولايات المتحدة أو في أي مكان في العالم وتحميلهم مسؤولية الأعمال الإرهابية، ولعل المثال هو ما تعرض له الطلاب السعوديون من الأذى والاحتجاز القهري دون سند قانوني، وكذلك الحال مع ما يمارس ضد المساجد ودور العبادة التي باتت من رموز حضارة الشعب الأمريكي وتنوع ثقافته. وإنني جد ممتن لاستنكار الدكتور فريدمان لكل هذه التصرفات التي لم يكن للشعب الأمريكي قبول أو رضى بها، ومع بالغ التقدير لظن فريدمان أن ذلك سوف يتعدل بعد الانتخابات سواء مع الإدارة الحالية أو غيرها.فإني أتمنى أن يكون لقادة الرأي أمثاله ومواطنه توماس فريدمان الدور الأكبر في تجلية هذا الأمر عبر ما يملكون من تأثير ونفوذ على قنوات صناعة الرأي العام.بالطبع إذا استمر الشعب الأمريكي في الاستماع والمشاهدة لقناة فوكس نيوز فلن يكون هنالك صورة عن الإسلام والمسلمين والعرب والسعوديين غير الإرهاب والوحشية والتدمير.. دون أي نظر حتى لإسهامات موازنة أسعار النفط في الأسواق العالمية ومنع أي أزمات في إمدادات الطاقة أو النظر لما كان من علاقات ومصالح مشتركة في إنتاج النفط مشاركة وبناء وتسويقاً وإنتاجاً بين السعوديين والأمريكيين على مدى ستة عقود، وبخلاف ما كان من تعاون واستثمار في التعليم والتدريب الذي تلقاه الآلاف من السعوديين والسعوديات في الجامعات والمعسكرات الأمريكية والمشاركة في ما كان من اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون التي ألغتها الولايات المتحدة. لا السيد فريدمان ولا أنا ولا أخال أحداً في الشعبين الصديقين الأمريكي والسعودي يرغب في نشوء ثقافة الشعور بالذنب والإثم بسبب ما جرى من تداعيات أثناء موجة الإرهاب، وما كان من أخطاء وقعت من كلا الجانبين أثناء فترة المواجهة بين الأمريكان والسوفيت في أفغانستان، لا بد من تجاوز آثار الإرهاب والإرهابيين وتحري الدقة والصدق في الطرح والمعالجة حتى لا يصبح حالنا كما هو حال صحيفة نيويورك تايمز عندما وجدت أن في أخبارها ما لم تكن كاملة المصداقية واعتذرت عنها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved