هدفنا الغريب اليوم من الملاعب السعودية، ولج مرمى فريق الاتفاق. كلكم بالطبع تعرفون الحارس المتقاعد عثمان باطوق.. هذا الحارس مثل نادي الاتفاق سنينا كثيرة.. وكذا المنتخب الأهلي السعودي في دورات خارجية، حارس جيد. كان في زمانه فارس الملاعب حتى سطا عليه علي أبو داود في الباكستان عام 1386هـ حين لعب الفريق الأهلي السعودي هناك عدة مباريات لم يمثل باطوق ولا في واحدة. وعلي ابو داود هو حارس الوحدة. وعام 86 كان عاماً فاصلاً في بطولة المملكة على كأس جلالة الملك المعظم بين نادي الوحدة من مكة ونادي الاتفاق من الدمام.. وكان فاصلاً بالنسبة للحارسين ظهر فيه علي أبو داود كحارس أول في المملكة واختفى فيه باطوق وظهر الاتفاق من جديد بحارس جديد.
وباطوق كأي لاعب قدم.. بل كأي انسان.. كانت له عيوب.. وهناك عيب واحد فيه كان يساوي كل العيوب التي في الآخرين كان حارساً تحس خشبات المرمى بوجوده.. له رهبة عند المهاجمين.. عبوس باستمرار، مسكاته قوية, ويعتبر من الناحية الفنية لا بأس به، عيناه باستمرار موزعتان في اتجاهات مغايرة لاتجاه الكرة.
وذلك لانه رجل عصبي، وصفة الرجولة التي يتمتع بها باطوق هي صفة ضرورية وشرط مكمل للشروط المطلوب توفرها في حارس المرمى.. اذن هي مطلوبة الى حد بعيد.. ولكن العصبية.. وعدم السيطرة على الاعصاب تجاوزا بباطوق حدود الرجولة المتفق عليها الى حد انه قليلاً ما كان يعير اهتماماً لغيره ممن يشاركونه اللعب على أرض الملعب.. وهو امر جعله مراراً يحاول فرض هذه الصفة على منافسيه، وهذا هو العيب القاتل.. لان اللاعب الذكي يستفيد كثيراً من هذا العيب ويستثمره لصالح فريقه.
في اواخر شهر ذي القعدة عام 1386هـ تم لقاء الوحدة والاتفاق كانت النتيجة لصالح الوحدة 2- 0 من ضمنها هدف غريب اعتقد انه ما زال عالقاً في أذهان الذين حضروا تلك المباراة.. وبهذه النتيجة كسبت الوحدة بطولة اندية المملكة على كأس جلالة الملك لعام 1386هـ.
كانت المباراة قوية بين الفريقين.. لم يكن الاتفاق فيها الفريق الاضعف.. كما لم تكن الوحدة الفريق الاقوى.. وانما كانت هناك قوة جسمانية تفوق بها لاعبو دفاع الوحدة على لاعبي هجوم الاتفاق.. وهو ما لم يساعد على الوصول الى مرمى علي داود، وظاهرة الخشونة التي صاحبت لعب دفاع الوحدة وطغت عليه كانت متمثلة في اللاعبين لطفي لبان، ابو زيد وابو صبري.. مما جعل صاحبنا باطوق يزبد ويغلي داخل ملابسه بين خشبات مرماه وكأنه من الوحوش المفترسة يريد افتراس اول وحداوي يصل الى منطقة مرماه.
كلما ازدادت خطورة هجوم الاتفاق كلما ازدادت المواجهة العنيفة من جانب خط الظهر الوحداوي، حتى انها في كثير من الاحيان تجاوزت كل الاعتبارات وكل معنى لمفهوم اللعب الرجولي الذي هو عنصر هام من عناصر لعب كرة القدم قديمها وحديثها.
كانت خطورة هجوم الاتفاق متمثلة في تفاهم الاخوين (فصمة) محمد الفصمة متأخراً صانع العاب يحاول أن يصنع خطورة أخيه سعود الفصمه الذي كان متقدماً رأس حربة بين احضان لطفي لبان ولكن البصيري وهو أكثر من عقبة كان ملازماً لمحمد اكثر من ظله.. يتعامل معه بكل ما هو ممكن.. وما هو غير ممكن.. من الضرب وشد الفانيلة الى لف الذارعين حول الخصر ليحول بينه وبين الكرة وفتح الثغرات بين المدافعين لاخيه، وهذه المعاملة كانت كافية لاثارة اعصاب محمد.
وقد اثارت بالفعل اعصابه وهي الغاية من كل تلك الوسائل.. ولكن محمد الفصمة من النوع الذي لا تتعدى ثورة اعصابه ملامح وجهه.. فلا هو القادر ان يضرب.. ولا هو الصابر على الضرب، وكان يقال أن سعود الفصمة شهير بممارسة هذا النوع من اللعب الخشن.. ولكن ليس على المسرح.
كما هو الحال بالنسبة لدفاع الوحدة.. وانما من خلف الكواليس وبحركة لم يتنبه لها غير الحكم كاد يؤدي بعلي ابو داود الى خارج الملعب فأثار هذا حفيظة اللبان وابو زيد فعاملوه بأكثر ما يعامل البصيري شقيقه الاصغر.. على مرأى ومشهد من الجموع الغفيرة التي حضرت المباراة.
صاحبنا باطوق كان يصارع في مرماه (الزهق) الذي بلغ ذروة رأسه. وكان اللعب سجالاً بين الفريقين لم تكن فيه الهجمات لصالح الاتفاق، وانما بنفس القدر كانت الوحدة تهاجم مرمى الاتفاق، ولكن اختلاف المواجهة سهلت مهمة وصول مهاجميها لمرمى الاتفاق الذي كان فيه باطوق كالبركان.. كان اليحيى وغدره في منطقة قلب الدفاع الاتفاقية يحولان فنيا دون وصول مهاجمي الوحدة لمرمى باطوق، وهو ما لم يكن يتمناه بأي حال لينتقم للضحايا التي تقع امامه وسط الملعب واحداً بعد الآخر، وعدا باطوق لم يكن هناك لاعب حسن في صفوف الاتفاقيين سوى السبيكة الظهير الايمن الذي كان يمارس اسلوبه المعروف مع أول وحداوي يحاول الوصول إلى المرمى من ناحيته.
وهذا السبيكة معروف في الشرقية بألعابه الخشنة حتى أن بعض الحكام كان يتخذ قراراً ضده لمجرد محاولة قطع كرة او الالتحام بمهاجمه.
كان اللعب موزعاً بين أفراد الفريقين بالتساوي.. هجمة هنا.. وهجمة اخرى هناك. وفي فترة من فترات اللعب وصلت الكرة الى كريم المسفر وكان في تلك الايام دينمو الوحدة ومنطلق هجماتها الخطرة.
كما كان الزياني بالنسبة لفريق الاتفاق، استلم الكرة ودخل متوغلاً بها وتوزع امامه هجوم الوحدة استعداداً لهذه الكرة التي لن تغادر قدماه الا مرسومة
حيث قد رسم في ذهنه طريقها الى المرمى الذي كانت حالة حارسه مكشوفة، لعب كريم الكرة جانبية لسعيد لبان وهو الآخر لاعب فنان وصانع ألعاب الوحدة، استقبل الكرة وحولها هذا الاخير للمرحوم جميل فرج الذي عاجلها بقذيفة نحو المرمى في حين دخل ابو ايمن اللاعب السريع المشاغب خلفها مسرعاً في مواجهة باطوق وفي ذهنه احتمال عودة الكرة من العارضة، أو من الحارس الذي كان في وضع بالنسبة للكرة استراتيجي.
الا انه نفسياً غير مهيئ لاستلامها استلاماً صحيحاً يقي الشبكة شرها، قفز باطوق خلف الكرة رافعاً في طريقها قبضة يده، وعيناه على أبو ايمن فتمر الكرة دون أن تلامس يده وتضرب في العارضة لتعود وترتطم في ظهره وتدخل المرمى الاتفاقي هدفاً غريباً للوحدة!!
فاروق بن زيمة |