هل وقفنا لحظة لنتساءل عن السبب الذي يجعل الكثير مما يكتب ويقرأ أو يعرض مصوراً في عصرنا هذا هو قصص تستمد موادها الخام من أحداث ووقائع تاريخنا وماضينا العربي الإسلامي؟..
إن أول ما يتبادر إلى الذهن كاجابة لهذا التساؤل أن السبب هو اعتزازنا بتاريخنا البعيد والانجازات والأمجاد التي حققتها الأمة العربية الإسلامية.. وهذا تبرير معقول لمن أراد تبريراً.. أي تبرير.. أوليس التاريخ المجيد محلاً للفخر والاعتزاز؟ غير أن التبرير المعقول ليس من الضروري أن يكون هو التبرير الوحيد.. كذلك ليس من الضروري أن يكون التبرير المعقول هو التبرير الصحيح.
وإلى جانب اللجوء إلى أحداث تاريخية مجيدة وجعلها مادة خام لانتاج جديد، هناك اللجوء إلى الصور الباهتة المهزوزة ثم جعل تفاهتها مادة خاماً لانتاج أتفه.. أشعب.. والكندي.. جحا.. وأمثال هؤلاء من الطيور. وليس في هؤلاء تاريخ مجيد أو صفحات من الفخار..
إن كل ما يفعله عباقرتنا من الكُتَّاب هو أخذ صفحة من التاريخ أو من الصور المهزوزة ثم يحورونها ويدورونها وينقشونها ثم يُبلعونا إياها..
لابد أن هناك سببا أو أكثر خلف لجوئنا إلى الماضي مجيده وتافهه للاجترار منه وملء أوقاتنا وأسماعنا به..
ما هو هذا السبب أو هذه الأسباب؟
أرى أن الإفلاس احد هذه الأسباب، وهو مسئول عن النزعة التقهقرية إلى الماضي، تاريخا وقصصا حقيقة أو خرافية. وقد توجد أسباب اخرى يراها آخرون لو ارادوا.
الإفلاس.. الإفلاس في كل شيء.. تاريخنا العربي الحديث ليس فيه ما يفتخر به.. ليس فيه انجاز وليس فيه مجد.. أليس من الافلاس اللجوء إلى القصص عن حركة المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم تحويرها وتدويرها وتغيير الأسماء الفرنسية إلى أسماء عربية وتقديمها على أنها قصص كفاح ضد الصهيونية؟..
كُتَّاب القصة مفلسون.. وكتاب القصص المسرحي مفلسون.. شعراؤنا مفلسون، خيالهم حقيقة وحقيقتهم خيال، وهم معذورون.. فنحن كأمة عربية - وما يدمي القلوب - نمر بفترة من تاريخنا لا تجديد فيها ولا ابداع.. لا انجاز ولا فخار، وليت اليوم الذي نتوقف فيه عن القول (انظروا الى امجادنا الماضية) يأتي ويحل محله يوم نقول فيه (انظروا الينا والى أمجادنا الحالية).
طريقة تعليمنا الكلمات خاطئة
عندما كنت طالبا في الولايات المتحدة لفت نظري ظاهرة غريبة.. ففي كل غرفة من غرف المطالعة في مكتبة الجامعة يوجد قاموس ضخم يشرح معنى الكلمات الانجليزية وتزيد عدد صفحاته عن خمسة آلاف صفحة.. ولقد أثار دهشتي رجوع الطلاب كثيراً وباستمرار الى هذه القواميس، الامر الذي يعني ببساطة انهم يطلعون وباستمرار على كلمات انجليزية جديدة، ولا يعرفون معناها.. طالب في الجامعة وقد يكون طالبا للدكتوراه تمر عليه كلمات كثيرة لا يعرف معناها؛ لذا فهو يستشير القاموس.. يحدث هذا كل يوم تقريبا.
ولا توجد مثل هذه الظاهرة في جامعاتنا.. لماذا؟ هل يعرف طالبنا كل كلمات اللغة العربية؟ هل اللغة العربية لا تضم الكثير من الكلمات؟ هل نحن لا نحتاج إلا إلى عدد صغير نسبيا من الكلمات للكتابة وللتعبير؟
لا أظن أن عدد كلمات اللغة العربية قليل.. وانها تقل عن كلمات اللغة الانجليزية التي تخدم الثقافة الغربية.. ما هو السبب اذن في اننا نعرف كل أو معظم الكلمات التي تمر بنا المكتوبة منها أو المسموعة.
ان طريقة تعليمنا الكلمات قاصرة، ولا أظن أن الفرد منا في المتوسط يعرف أكثر من خمسة آلاف كلمة، وربما عشرة آلاف كلمة على أكثر تقدير.. ونحن نحصل على هذه الكلمات عن طريق الالتقاط وليس عن طريق التعلم.
ان تعلم كلمات اللغة يجب أن يتم خلال الزمن وبمنهج واضح.. الطفل في السنة الأولى الابتدائية مثلا يجب أن يتعلم ما لا يقل عن 1000 كلمة مختلفة، والطفل في السنة الثانية يجب أن يتعلم 1000 كلمة أخرى جديدة وهكذا..
ان تعليم اللغة يجب أن يهدف لتوسيع حصيلة الفرد منا من الكلمات المختلفة.. واللغة وسيلة التعبير والتفكير والتفاهم.. وكلما كانت حصيلتنا من كلمات اللغة محدودة كانت قدرتنا على التفكير وعلى التعبير والتفاهم محدودة أيضا.
|