يمر الإنسان بمراحل مختلفة، منذ ولادته فمن الطفولة، مروراً بفترة المراهقة العصيبة فمرحلة الشباب، ومن ثم الرجولة، ويتخلل هذه المراحل بطبيعة الحال، تباين سواء كان في التصرف والسلوك، أو الاستيعاب، والأخيرة من الأهمية بمكان، فكلما كان الاستيعاب تحدوه القناعة كان التصرف مطابقاً لدرجة الاستيعاب تلك ويبرز تقدير الأمور لتبعات هذا العمل أو ذاك وفقاً لانعكاسه سلباً أو إيجاباً واستقاء المؤثرات من خلال الأسرة في المقام الأول مروراً بالتعليم لتجسد هذه المعطيات ملامح واضحة في بلورة المسيرة، الفكرية ففي مرحلة الطفولة لا يحاسب نظراً لمحدودية الأفق وضيق المدارك، إذ يكتفى بالتنبيه والإشارة إلى هذا العمل صائباً كان أم خلاف ذلك، ويبدأ الإدراك يتسع ومرحلة النضح تلامس آفاق فكره وبالتالي مقايسة الأمور بمنظور مغاير عما كان في السابق ومن ثم معاينة الأمور بشيء من المراعاة للجوانب التي استقاها من البيئة المحيطة حينئذ تبدأ المسئولية المعنوية في النمو من تأنيب للضمير وجلد للذات من حين لآخر جراء هذه التصرف أو ذاك وتبدأ مرحلة محاسبة النفس التي لا تنتهي إلا حين ينتهي فقد تقوده نفسه إلى الهلاك وسوء العاقبة أو إلى الفلاح حينما تكون نصب عينيه الدار الآخرة، والجميل أن تأثيرات الماضي السلبية، لا يمكن أن تكون حائلاً دون تدارك ما فات والعودة إلى جادة الصواب، وهذا من كريم فضل المولى جل وعلا بقبوله توبة العبد وشعوره بالندم إزاء ما فات فمن نعم المولى أن أسبغ علينا نعمة النسيان، وهذه سنَّة الحياة ولا يوجد من يبلغ درجة الكمال والكمال لله وحده, ولا ريب أن الأسرة، بل المجتمع بشكل عام يؤثرون وبشكل عام في تكوين الشخصية، كعوامل مساعدة تسانده عبر التوضيح بالحقوق والواجبات من خلال الأطر المستقاة من دين الإسلام الخالد، فإذا رسخت هذه المفاهيم الشاملة والوافية معمقة البعد الأخلاقي فإنها ترتقي بالروح إلى آفاق بديعة فسيحة وتطرز الوجدان باستقرار روحي مفعماً بالقيم النبيلة والمعاني الفاضلة تحفها الطمأنينة وتكسوها السكينة من كل جانب، ولما كان الشعور بالذنب من صفات المؤمن الكيس الفطن فإن المجال ولله الحمد في التصحيح واسع، وكثرة استغفار المؤمن دليل حي على نضج تفكيره بطلب العفو والمغفرة من ربه، والعبرة في الخواتيم ولا يعلم الإنسان أين ومتى وكيف تكون الخاتمة لذلك فإنه يكون على أهبة الاستعداد لرحلة جميلة بجمال روح من أدركها بذلك الجمال, وأن يقرر الإنسان في وقت من الأوقات مسح كتابة بالقلم أو مسح شريط أياً كان نوعه وكذلك عبر جهاز الكمبيوتر بالحذف فإن بوسعه ذلك متى ما شعر بهذه الرغبة لدواع معينة, بيد أن الأمر يختلف في ذاكرة الإنسان فقد يكون في ذاكرته أمور لا يرغب في استرجاعها ونحو ذلك. فإنه ليس من الصعوبة تحقيق هذا الأمر متى ما توفرت القناعة المطلقة بعدم جدواها؛ بمعنى أن يتم إزاحة الرغبة الكامنة في النفس لهذا العمل، مشفوعاً بعوامل تساهم في هذا التحقيق، ومن أبرزها التهيئة وصدق العزيمة والإصرار مقروناً بثبات الموقف بعدم العودة إلى ذلك الأمر أو حتى مجرد التفكير فيه لكي يتسنى طيه في هامش النسيان وفق استجابة أكيدة لرغبة جديدة صادقة وملحة, وقصد سليم ونية صالحة في حين يستوجب تعبئة الذاكرة بأعمال جليلة والتحلل من الأفراد إذا كان قد ألحق الأمر المنسي ضرراً بحقهم، لكي يندرج إلى الدماغ تلقائياً العمل الصالح وآثاره الحميدة، مكان الذكريات السيئة آنفة الذكر، بصيغة تلائم ما يؤمن به ويعتقده مرتكزاً على معايير منصفة بهذا الصدد، عبر مكاشفة صريحة مع الذات التي لن تبرح أن تقذف بالأسئلة الصعبة، لماذا وكيف؟ ويكمن الجواب الشافي لهذه الأسئلة المقلقة والمؤرقة في ذات الوقت، من خلال الوضوح في الاختيار الأمثل للمسارات، ما يعد مؤشراً دقيقاً لصحة الاتجاه، فإذا اقترنت الإرادة القوية الواثقة بالمولى سبحانه، بتصميم على تصحيح المسار فإن إذابة الذكريات السيئة وتهميشها، بل نسيانها أقرب إلى التحقيق، فكلما جنح الفكر وبسطت الهواجس أشرعتها على الدماغ فإنها لن تجد إلا هذا الانعكاس الجميل للفعل الجميل.
نسأل المولى سبحانه بأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|