قادة الأمة العظام وفرسانها الكرام هم الذين يسعون لتحقيق طموحاتها ويتفاعلون مع جراحاتها ولا تشغلهم عن هموم أمتهم الشواغل ولا تنسيهم واجباتهم تجاهها الصوارف، فكل واحد منهم أمة لوحده في عطائه وإخلاصه، يعطي بسخاء.. ويتفاعل مع هموم أمته وقضاياها بفاعلية.
في زحمة الموت اليومي التي نتابع مشاهدها اليومية على ارض فلسطين، وما تخلفه من أيتام وثكالى وجرحى ومعوقين وشهداء، وأعداء الله والإنسانية، قوم يهود ومن والاهم يواصلون ممارسة القتل والهدم والتجريف ولا صوت ضمير يحبس عن المظلومين سطوة الظالمين، حيث غصَّت المقابر بالشهداء، وغصَّت المشافي بالجرحى، وفي كل بيت صوت بكاء وعويل، وفي كل ركن صيوان عزاء، والفقر والجوع والمرض يفعل بالشعب الصامد الأفاعيل، لا غرو أن تتطلع القلوب إلى اليد الحانية التي تسهم في حمل العبء الثقيل؟
وتكثر التساؤلات: هل من قلب كبير يحمل جراحات المعذبين في أرض العرب والإسلام؟
هل من مُلبٍ لنداء واعرباه.. واإسلاماه؟
ومن يلبي غير كرام القوم وسادة الخير وفرسان النبل والشهامة؟
ومن للمكرمات غير القوَّامين عليها؟ من لهذه الشدائد غير كرام الناس؟
إنهم قادة الأمة العظام وفرسانها الأوفياء..
يكتبون سجلات حافلة بالمكرمات، ينهل منها المساكين ويسعد بها اليتامى وتكفكف بها دموع المحزونين.
قادة هذه البلاد الطاهرة الذين يحملون بأيديهم الكريمة إرثاً عظيماً من المجد والفخار والعز، ليس بالنسب والحسب فقط، بل بأعمال جليلة تسجل بمداد من نور، ومناقب تحدو بشدوها الركبان، فلم يبق من حقل إنساني أو ثقافي أو اجتماعي أو عسكري، أو أي نشاط إنساني ومعرفي إلا ولهذه البلاد وقادتها عليه أثر، مترافقاً مع نبل الاخلاق وفيض الرحمة، وما تستدعيه من إغاثة الملهوف ونصرة الضعيف.
نعم من المملكة إلى فلسطين امتد جسر من اليقين، جسر من الحب والوفاء، عبر رجالات المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم حامل لواء فخرها وعزّها مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وفارس النور والخير النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - حفظهم الله - فقد انطلقت الدعوة بالتنادي لكفكفة دموع المقهورين، وتطبيب المحتاجين في مشافي المملكة بمختلف قطاعاتها.
هذه الأفعال الطيبة هي رجع الصدى لصوت الضمير، حين يمارس بالتطبيق ما هو أكبر من الشعارات الصاخبة والمعلنة، وكان العمل الحقّ في صمت، يد تعطي ولا تعرف عنها اليد الأخرى في سبيل مرضاة الله والضمير، وفي سبيل تحقيق الأخوة بين المسلمين والعرب وبين أفراد الإنسانية جمعاء، وكانت المكرمات تترى وتتواصل بهدوء وسكون، فمرضاة الله وراحة الضمير هما الغاية التي لا تدرك، لا بالضجيج والتبيان ولا بالشعارات ولكن بالعمل المجدي، وهكذا انتفضت نخوة اصحاب النخوة، وفتحت المملكة مشافيها تستقبل عشرات المصابين من أبناء شعبنا في فلسطين، تحمل عنهم بعض معاناتهم، وتمسح عن مآقيهم دموع القهر والعدوان.
ولن يقتصر الخير على مشهد تاهيل المعوق الفلسطيني (صخر محمود خلف) البالغ من العمر 22 عاماً، ذلك الجريح الذي هيأ له فريق التأهيل بالمركز المشترك لبحوث الأطراف الاصطناعية والأجهزة التعويضية وبرامج تأهيل المعوقين بالرياض ما يعوضه خيراً وما عند الله أبقى، كما لن يقتصر المشهد على ما يُعلن في وسائل الإعلام عن هذا وذاك، وما قدمته المملكة لهذا أو لذاك، فمنذ أصدر الأمير الفارس سلطان بن عبد العزيز تعليماته بقبول جرحى الانتفاضة الباسلة من الفلسطينيين في مستشفى القوات المسلحة بالرياض للعلاج على نفقة حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أطال الله في عمره والعمل يجري بوتيرة متصاعدة وبهدوء وصمت، وفي كل يوم عشرات الحالات المماثلة وعشرات العمليات الجراحية والتأهيلية الناجحة لإخوة لنا يقدمون في سبيل الدين أغلى ما يملكون وهي الروح، وليس هذا الذي تفعله المملكة إلا تعبيراً من رجالات وشعب المملكة عن مشاعر الرحمة، وروابط أخوة الدين والدم والعقيدة والتاريخ والأرض والتراث.
ولابد لنا ونحن نستعرض هذا المنجز الكريم أن نقف وقفة تقدير ووفاء للشعب الفلسطيني البطل الذي يتحمَّل ببطولة أسطورية صنوف الظلم والجور، ويضحي بكل غالٍ ونفيس، بل وبكل ما يملك من أفراد وممتلكات في سبيل الحفاظ على دينه أولاً، ثم على الأرض التي هي سجل التاريخ ومهبط الأنبياء، شعب يقف بصدور بنيه، أعزل إلا من الإيمان بالله، وليس معه من السلاح المادي سوى الحجارة، ويسجل في سفر الزمن أبهى صور الصمود، والصبر غير العادي، والتحمُّل المدهش، والتضحية التي لم يستطع أي شعب على مدى التاريخ وسِعة الأرض أن يصمد على تحمُّلها من جوع وفقر ومهانة وقتل وتجريف أراضٍ وهدم بيوت وقتل أنفس وقلع أشجار ونصب جدار عازل وحصار وحرمان، وذلك امام اعتى قوة غاشمة في العالم تملك احدث الأسلحة الفتاكة والضمائر الميتة وحب القتل، ولا غرابة فقد نعتهم الله سبحانه بقتلة الأنبياء، وكل هذا يجري امام بصر العالم وسمعه، ولا أحد غير أهل الكرامة من الشرفاء المخلصين الأوفياء المؤمنين برسالة الإسلام يقفون إلى جانب هذا الشعب المظلوم الصابر المرابط، ونحن نتابع ونسمع ونقرأ هذه الغرائب عندما يصبح القاتل بريئاً والمقتول مذنباً، وعندما ينقلب الباطل إلى حق والحق إلى باطل، يهللون للظالم، ويلومون المظلوم، تتبدَّل القيم والمعايير وينتشر الفساد في الأرض، فمن يقيم ميزان الحق غير الله سبحانه وعلى يدي صفوته وأحبائه أمثال سمو سيدي أمير الإنسانية سلطان بن عبد العزيز أعز الله به دينه.
إن أولئك الشذاذ من قوم يهود يلقون الدعم بكل أشكاله (العسكري والسياسي والاقتصادي) من قوى عالمية طامعة هي الأخرى، وفي سبيل تحقيق أطماعهم يستهترون بكرامة الشعوب ويعملون دون رادع من ضمير على هلاك اصحاب الأرض والتاريخ والتراث والدين، من أجل مكاسب اقتصادية وفرض هيمنة وامتصاص خيرات ولو بدماء الشعوب، وهذا الخطر الداهم يتهدد المنطقة العربية بأسرها بسبب موقعها الاستراتيجي المؤثر والهام بين ثلاث قارات، وما تحتويه الأرض وما عليها من خيرات طبيعية، ومن زحمة بشر ويد عاملة، ومستهلكين، إضافة إلى الأهم من ذلك وهو العداء السافر للدين الإسلامي ومحاربته وتشويه صورته وغسل أدمغة ضعاف النفوس والعقيدة وتحويلهم إلى إرهابيين شغلهم التخريب وقتل الأبرياء وزعزعة أمن الدولة الآمنة.
إن هذا الشعب الفلسطيني العظيم يقف وحده بأفراده رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً دون نصير، ويقدمون في كل ساعة شهداء على طريق الحرية والتحرر وفي سبيل الله، يقفون في الصف الأول درعاً مدافعاً عن الأرض المقدسة مهبط الأنبياء ومسرى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسول الحق والعدل، ويضحون بأرواحهم في سبيل الإسلام والعرب وفي سبيل الحفاظ على مقدسات وتراث أمة الإسلام كلها (القدس، المسجد الأقصى أولى القبلتين، وموطن الخليل إبراهيم أبو الأنبياء، ومولد المسيح رسول السلام).. هؤلاء الصامدون الشرفاء يستحقون منا جميعاً وقفة تقدير وفخار، وبذل ما نستطيع من أجلهم، إنهم دم يتدفق في سبيل الله يفوح مسكاً يشعل في نفوس المسلمين لهيب العزم والتصميم على المضي قدماً في دروب الجهاد، ولسان حالهم يردد:
إذا مات منا سيد قام سيد
قؤولٌ لما قال الكرام فعولُ |
لقد كانت المملكة برجالاتها العظماء السبَّاقة في تقديم كل عون لضحايا العدوان الصهيوني الهمجي، وكان لها اكبر الأثر في معالجة جرحى الانتفاضة، وفي التخفيف من معاناتهم ومعاناة أسرهم.
جهود وإنجازات.. عطاءات ومكرمات تستحق كل آيات الولاء والتقدير، تحيي الشهامة الإسلامية والعربية لقادة هذه البلاد الطاهرة.. لتكون بحق نصير الضعفاء، وصاحبة اليد الطولى في رفع المسغبة عن السائلين، لا يستطيع المتجول أن يتجول في حدائق عطاءاتها.. ولا يستطيع الإحاطة بكل ما قدمته من خير وحملات برّ وإسعاف ونصرة مظلومين وعناية بمسنين وفقراء.. لتحقق الخير للأمة وللوطن والولاء للمقدسات وللدين الحنيف، وعلى هديه تسير خطوات قادتها إلى الخير.. سدد الله خطواتهم ومنح الصواب لآرائهم..
والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الرياض - فاكس 014803452 |