يتأكد يوماً بعد الآخر أن الذين يفجرون ويقتلون في العراق هم أعداء العراق في المقام الأول، وليس الأمر كما يبدو لأول وهلة وكأنه عبارة عن تصفية حسابات بين مختلف الفئات والطوائف العراقية، فنحن نرى ان السيارات المفخخة تنفجر أمام وداخل المساجد السنية والشيعية وها هي الآن تطول الكنائس..
والقاسم المشترك في كل هذه الاعتداءات ان الضحايا هم عراقيون عاديون، والذين يقومون بهذه الاعتداءات البشعة يستهدفون تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي سعياً وراء محو العراق من الخارطة، ولأن العراق أصبح أرضاً مستباحة لكل القوى ولكل المغامرين فمن السهل التسلل وضربه حيثما تكون الضربة موجعة.
وفي ظل الاحتلال يستطيع الكثيرون العمل بحرية ليس فقط لضرب العراق بل لنهبه وتجريده من آثار ورموز واحدة من أعرق الحضارات الانسانية وهذا الأمر حدث في المتاحف العراقية التي عمل أناس حادبون على مصلحة بلادهم وذوو مستويات علمية رفيعة على الحفاظ عليها، لكن هناك من يريد حتى تحوير التاريخ العراقي لمصلحتهم والإسرائيليون يفعلون ذلك ويعملون على لي عنق الحقيقة التاريخية لتتواءم مع دعاواهم حول الوجود التاريخي في أرض فلسطين وفي المساحة الواسعة من النيل إلى الفرات..
ما حدث في خمس كنائس بالموصل وبغداد يوم الاثنين هو محاولة أخرى لمحو حقائق تاريخية أيضاً تتعلق بالتعايش بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد طوال قرون من الزمان وعقب حقب طويلة.
إن ضرب العراق ليس بالعملية السهلة، والذين يسعون إلى ذلك يعرفون ان عليهم- من أجل تحقيق ذلك- اقتلاع البنيات الأساسية الاجتماعية لمجتمع راسخ البنيان، ومع ذلك فإن هذه العملية قد بدأت بالفعل والمؤسف ان تستمر، وسيكون من المؤلم أيضاً أن ينفعل بعض العراقيين بما يحدث بالطريقة التي تحقق تلك الأهداف.
المواطن العراقي الذي يواجه كل هذه الأهوال مطلوب منه، رغم ذلك، ان يتحلى بقدر كبير من الوعي، وندرك انه كذلك، لكن الذين يكونون وسط النيران ويكتوون بلهيبها هم غير الذين ينظرون إليها من بعد ويحاولون ان يرسموا أدواراً لمن هم داخلها، ومع ذلك فإن المرء لا يملك إلا ان يحذر من الأيدي الخبيثة التي تعمل في العراق المثخن بالجراح البيئة المثلى لتنفيذ مؤامراتها.
ويبقى أن جزءاً كبيراً من المشكلة يرتبط بوجود الاحتلال الذي يوفر غطاءً للمتسللين والمتآمرين وعلى رأسهم الإسرائيليون الذين لن يفوتوا فرصة مثل هذه لضرب بلد عربي بحجم العراق في إطار سعيهم المتواصل لإخراج كل القوى العربية الفاعلة من ساحة المواجهة مع الدولة الصهيونية.. ويتعين على العراقيين إظهار قدر كبير من التوافق السياسي الذي من شأنه إقناع الآخرين بأنه يتوجب عليهم ان يتركوا هذا الشعب لكي يباشر مسؤولياته بنفسه، كما سيكون من الضروري إيلاء تعزيز الوحدة الاجتماعية ما تستحقه من اهتمام فهي البنية الضرورية لعمل سياسي فعال لمواجهة استحقاقات الحاضر الصعبة.
|