السبب في أزلية معظم مشكلاتنا أننا لا نتوخى محاذيرها، مع ان تضخمها اكل من لحم وقتنا وشرب ماءه بعدما ربض على واقعنا كأننا في غفلة معرضون.
البطالة احدى أهم المعضلات والتي لا تعيق النماء وحده، بل تصيب واجهة العطاء بالشلل. وسؤالنا ليس ما هو الحل؟ بل كيف تجاهلنا أهم بند في خطط التنمية، هو تنمية الفرد، بناؤه، دراسة وضعه بعد التخرج، قياس الشواغر وهل تحتوي كل هذه الأعداد المتخرجة والطامحة في شغل جزء ما من واقع بلادها، وما هي غاية الوظائف واحتواء هؤلاء العاطلين وليس الباطلين طالما ان ذلك يتم رغما عنهم؟ هل تملك الوظيفة عصا سحرية تحل بها المعضلات، ام ان الغاية سد الرمق والاكتفاء عند الحاجة؟
اكثر ما يقلقنا الآن اننا لم نستطع تحديد ابعاد مشكلات كهذه فبينما يناشد اصحاب الرأي عمداء الكليات والجامعات قبول الطلبة، او تمرير النسب المتوسطة والا يقفوا على درجات معينة، نجد ان الواقع يصرخ بصوت عال: واين يذهبون بعد سنوات؟ هل من مأمن علمي يستوعبهم؟
ليست المشكلة في وجود اعداد من الطلبة في بيوتهم على أمل الالتحاق بالجامعات وما يعادلها في وقت لاحق، بل ماذا بعد؟
بيد ان الفرحة التي يبدو انها لا تتوافق مع ما يتممها ان نجد اكثرنا يهلل فرحا بافتتاح جامعات وكليات جديدة وليس هذا الابتهاج ما يبرره قياسا بواقع مملوء بالاحباط الأكثر مرارة، وهو ان الخريجين عاطلون وليس فقط ان الطلبة متوقفون عن العمل الى اشعار آخر.
استشهد باحباطي هذا على ما نشر على لسان الدكتور عبدالواحد الحميد وكيل وزارة العمل لشؤون التطوير والتخطيط، الذي اعلن ان عدد العمالة الوافدة المسجلة في سوق العمل السعودية اربعة ملايين و934 الفا و308 عمال، فيما بلغ عدد السعوديين المسجلين في نفس السوق 637 الف و817 عاملا، فيما كانت نسبة العاملين السعوديين في المنشآت 18.3 % مقابل 3 ملايين و241 الفا و715 وافدا.. هذا فقط في المنشآت التي لديها عشرون عاملا فأكثر، أما المنشآت التي لديها أقل من عشرين عاملا، فإن السعوديين يمثلون 47 الفا و346 عاملا، فيما الوافدون مليون و692 الف و593 عاملا فقط!!
هذه النسب المتدنية لوجود المواطنين في ساحة العمل والأداء هي الترجمة الحقيقية لأحد وجوه المعاناة
والحقيقة أننا لم نعد نعلم على من نضع اللوم، على الجهات المسؤولة عن التوظيف ام على هاجس البحث عن الأيدي الماهرة والمتدنية اجرا كما يبدو في صورة العمالة الوافدة لدى القطاع الخاص، ام في خطط التنمية، ذلك الجرح الذي لم يبرأ بعد، بعدما دهمتنا السنون ونحن نتكئ على مسمى خطة خمسية ودونها، واظن ان اكثرنا تخرج من المدرسة وهو لا يدرك تماما ماهي وظيفة وزارة التخطيط، بل ان بعضنا كان يظن انها وزارة تعنى بتخطيط المدن والطرقات، وليس تخطيط المستقبل وفتح اذرعه لاستقبال أجياله واستيعاب حماسهم.
|