اتسمت قائمة السفراء العراقيين الجديدة التي أعلنها السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية بالتوافق الحزبي والطائفي، وتعتبر مثالاً حياً لتقسيم الحصص للوظائف العامة التي تعيشها الحياة السياسية حالياً في العراق الجديد.
وقد حظيت الأحزاب الكردية بحصة الأسد، فاختصت بثلثها. وجاءت الأحزاب الشيعية بنسبة كبيرة واضحة، ثم جاءت الكتلة التركمانية والشخصيات السنية والقلدان والآشوريون في آخر القائمة..
وكان تشكيل مجلس الحكم المنحلّ إبرازاً لحالة التوافق الحزبي والطائفي الذي جاء بتخطيط ومباركة قوى الاحتلال الأمريكي البريطاني، وباختيار مباشر من الحاكم الإداري الأمريكي السابق بول بريمر. وأصبح هذا التقسيم الحزبي والطائفي الأساس والمصدر الوحيد لكل تشكيل إداري أو سياسي، فجاءت تعيينات المحافظين على المدن العراقية تخضع لهذا الجدول الطائفي والحزبي، وجاءت الحقائب الوزارية للوزارة الأولى والثانية المؤقتة برئاسة السيد إياد علاوي تسير على نفس نمط تشكيلة مجلس الحكم المنحلّ..
البعثات الدبلوماسية تشابه الى حد كبير الوحدات العسكرية، فتلتقي في الهدف وتختلف في الوسائل المتاحة، ويكون الواجب الرئيسي المشترك بين الدبلوماسي والعسكري الدفاع عن مصالح واستقلالية البلد المنتمي لها، فالأول يحاول تنشيط العلاقات الثنائية لبلده والبلد المعتمَد لديها، والعمل الجاد للتوفيق بين المصالح المشتركة بينهما، وجعل مصالح البلد التي يمثلها بالدرجة الأولى، وأن يرعى رعاياها بصورة مجردة بعيدة كل البعد عن التمييز بين مواطن وآخر. والعسكري يضع نفسه ودمه فداء وطنه من أي عدو يهدد حدوده ووحدة أراضيه، ويحمي استقلاله وكرامته الوطنية. ولا بد أن يكون الدبلوماسي والعسكري مستقلاً في تفكيره السياسي، وطني الاتجاه، رافضاً التسييس الحزبي والطائفي، وليعمل من أجل الوطن كله، دون الميل نحو حزب أو التبعية لأي طائفة من طوائف الشعب المنتمي له.
ولا أستطيع أن أتصور حركة رئيس البعثة الدبلوماسية العراقية المعتمَد لدى تركياً مثلاً إن كان ينتمي لأحد الأحزاب الكردية العراقية، وبين هذه الأحزاب الكردية والدولة التركية خلافات كثيرة ومواقف مختلفة من وضع الحدود المشتركة والوضع السياسي والجغرافي لمدينة كركوك، وحالة من الاختلاف الواضح بين وجهة النظر السياسية الكردية ومناصرة الأتراك للطائفة التركمانية التي تقيم في هذه المدينة الغنية بالثروة البترولية، ومحاولة الأكراد وتنصيبها عاصمة لكردستان العراق. فكيف سيكون تحرُّك السفير العراقي الكردي مع وجهة نظر طائفته الكردية أو مرتقياً بالمصالح العليا للعراق ومعالجة القضايا المشتركة لمصلحة العراق الوطني الموحَّد. إننا نتطلع الى سياسة خارجية ثابتة للعراق الجديد تعتمد على حسن الجوار مع الدول العربية والإسلامية المحيطة به، وأن يتدرج من المصلحة الوطنية الى دائرة الانتماء العربي والإسلامي، وأن يكون عنصراً نشطاً من أجل تحقيق السلام العادل للمنطقة العربية بأكملها، معتمداً سياسة الصداقة والتعاون المثمر من أجل العراق مع كافة دول العالم.
ونتمنى على حكومة السيد إياد علاوي أن تعتمد تكافؤ الفرص لكافة أبناء العراق من دهوك حتى الفاو دون تمييز بانتماء حزبي أو جذور طائفية عشائرية، وأن تكون الخبرة والكفاءة هي الأساس لاختيار الشخص المناسب للمنصب المناسب.
محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية |