توزعت اهتمامات العلامة المرحوم إحسان عباس بين تحقيق التراث والترجمة وتاريخ الأدب، والنقد وكتابة التاريخ، وهو يضيف بما أنجزه في حقل تحقيق التراث والكتابة عنه، وكذلك في الترجمة بعداً عميقاً يضيء جوانب من عمله النقدي الموسوعي، الذي جمع فيه بين معارف متباعدة وقارب بين عصور وحضارات مختلفة مزاوجاً، فيما كتب بين ثقافة الذات وثقافة الآخر.
وقد ترك رحيل الأديب الناقد إحسان عباس فراغاً واسعاً في الساحة الثقافية يرى عدد من النقاد انه ليس من السهل تعويضه، كما أكدت ذلك المقالات العديدة، والانطباعات الكثيرة التي تناولت جوانب من حياته، ومسيرته الإبداعية وعطاءاته في مضمار التأليف والتحقيق والترجمة والتدريس.
إذ كان الفقيد كما قال عنه الباحث فخري صالح: (واحداً من جيل الأساتذة الكبار في الثقافة العربية خلال القرن العشرين) وهو كما يقول الشاعر عباس بيضون: أستاذ بمعنى الكلمة الحرفي، ومعناها المجازي، والتاريخي، لا لأنه أمضى حياته كلها تحت قباب الجامعة فحسب، بل لأنه أعار صوته وصمته وحساسيته لكثيرين، وترك تلامذة ظلوا على إقرارهم بجميله بعد ان صاروا هم أنفسهم أساتذة.
وقد أشاد الناقد عبده وزان بمكانة إحسان عباس ومنزلته الأدبية، ودوره التنويري والتثقيفي، فقال: (قد يكون إحسان عباس آخر الأساتذة في الرعيل المخضرم الذي نجح في التوفيق بين التراث والحداثة، خائضاً على خلاف الكثيرين معركتهما معاً، ومنحازاً إليهما في آن واحد كتيارين مختلفين، إذ كان قادراً على ان يكون حديثاً ومعاصراً، وذا بصيرة حاذقة، فيما جذوره تضرب في أديم التراث العربي والتاريخي، وفي عمق الفلسفة القديمة الإغريقية والعربية والغربية، ولم يكن يضيره ان يدافع عن ثورة الشعر الحديث، أو ان يتناول الحركة السروريالية أو سواها.
ويضيف وزان ان ما يميز نصوص عباس النقدية والتاريخية تلك النفحة الأدبية، التي ندّت عن نزعته الإبداعية ناثراً وشاعراً، حيث ظل طيف الشاعر والأديب ماثلاً في حياته، وفي نتاجه النقدي على السواء، ولم تستطع روحه العلمية ودقته المنهجية ان تسيطر على ذائقته الأدبية، فإذا أعماله النقدية نصوص ممتعة، تجمع بين حصافة النقد وجمال اللغة وطلاوة الأسلوب.
ولد إحسان عباس في قرية عين الغزال بفلسطين سنة 1920، وفيها، أنهى دراسته الابتدائية كما أنهى الإعدادية في صفد ثم تابع دراسته في القدس، ونال من القاهرة شهادة الدكتوراه سنة 1954، وعندما صارت عودته إلى فلسطين مستحيلة إثر نكبة 1948، انصرف إلى التدريس والبحث والكتابة، وعمل في عدة جامعات عربية في السودان ومصر، ولبنان والأردن وغيرها.
وترك الباحث الناقد إحسان عباس نتاجاً غزيراً يوازي كما قيل سنوات عمره، فله ما يقرب من 90 كتاباً منها 25 مؤلفاً في النقد الأدبي والسيرة والتاريخ، وقرابة 52 كتاباً في ميادين تحقيق التراث، و12 ترجمة من عيون الأدب والنقد والتاريخ، ومجموعة شعرية بعنوان (أزهار برية).
ومن أهم مؤلفاته النقدية وتصانيفه وترجماته: تاريخ الأدب الأندلسي، عصر الطوائف والمرابطين، الحسن البصري، أبو حيان التوحيدي، جريدة القصر وجريدة العصر، فصل المقال في مسرح كتاب الأمثال، التقريب لحد المنطق، جوامع السيرة، دواوين: ابن حمديس الصقلي، والرصافي البلنسي، والقتال الكلابي، وطبقات الفقهاء، ووفيات الأعيان، وفن الشعر لأرسطو، ويقظة العرب لجورج انطونيوس، ودراسات في الأدب العربي لفون جرنباوم، ودراسات في حضارة الإسلام لهاملتون جب.
نال إحسان عباس في حياته العديد من الجوائز النقدية والتشجيعية، وكان منها جائزة الملك فيصل، وجائزة الدولة التقديرية للآداب، وجائزة سلطان العويس، كما كرمته مؤسسة شومان الأردنية.
|