من المعروف عند التربويين أن التعلم مجهود شخصي ونشاط ذاتي يصدر من المتعلم نفسه بينما التعليم مجهود شخصي لمعونة شخص على التعلم، من هذين التعريفين أود أن أقول إن أهم مرحلة تعليمية في حياة التلميذ هي بدون شك التعليم الأساسي.. أو مرحلة التعليم المبكر أو ما اصطلح عليه بالصفوف الأولية.. (الأول والثاني والثالث) من المرحلة الابتدائية وتبرز أهميتها من كون التلميذ فيها يحتاج إلى تعامل خاص ورعاية حانية بعيداً كل البعد عن العنف أو التعنيف مهما كانت الأسباب لاستغلال لهفته المبكرة تجاه التعليم وبناء الدافعية عنده من الصغر.
ومعلم الصفوف الأولية لا يمكنه أن يؤدي رسالته بالشكل المطلوب ما لم يكن لديه إلمام بخصائص تلاميذه النفسية والاجتماعية والاقتصادية وينطلق في تعامله معهم من هذا الفهم الصحيح لظروفهم.
ومن الظلم الغاء ظروف التلميذ الشخصية والبيئية المحيطة به والتعامل معه كتلميذ فقط فعليه أن يحفظ ويحل ويفهم ويذاكر عدا ذلك ممنوع أن يقصر أو يخفق أو يخل بواجباته المنزلية أو يقصر من حفظ الآيات القرآنية المقررة أو الأناشيد. هذا التعامل مع التلاميذ فيه نوع من الظلم للتلميذ وخاصة عندما يكون أحد تلاميذ الصفوف الأولية والذي يمتلك مخزوناً من العمليات الإدراكية والعقلية ويحتاج إلى أن نصل به إلى مستوى التفكير الإبداعي.
ولذلك فمعلم الصفوف الأولية ليس أي معلم بل لابد أن يقع اختيار مدير المدرسة على معلم يستأنس فيه الصبر والحلم والخلق الجم والأبوة الحانية والرغبة في التعليم وهذه الأخيرة هي البسمة التي نبحث عنها كتربويين في الميدان قبل أن نأسف على أوضاع البعض من المعلمين أو أن نسمع من يقول لقد بات التعليم مهنة من لا مهنة له ويكفي المعلم ما قيل في حقه منذ زمن بعيد:
يكفيك فخراً أن يقال معلماً
لولاك ساد الجهل والتحم الدجى |
أعود لما بدأت به لأقول إذا كنا نؤمن بأن التعلم مجهود شخص ذاتي فمن الأهمية بمكان أن ينتقل المعلمون من مرحلة تسيد الموقف التعليمي والسيطرة على أنشطة الصف وقناعتهم بأنهم المصدر الوحيد للمعلومة أو المعرفة إلى مرحلة أوسع وأشمل وهي المجال المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى في علم التربية والتعليم في جعل التلميذ هو الذي يفكر ويحاور ويناقش ويركب ويلقي ويعبر وهي كلها افعال مضارعة سلوكية إجرائية وهي ما يدونها المعلمون في كراسات إعداداتهم اليومية ولكن مع الأسف أن نجد خلاف ما تم رسمه من أهداف لنجد أن التلميذ مال دوره في الفصل إلى الموقف السلبي لأنه لم يجد من يحفزه على التعلم وهذه هي التهيئة الحافزية المطلوبة في مطلع كل حصة والتي من شأنها أن تهيئ التلميذ لدينا في الصفوف الأولية للتفاعل الصفي مع معلمه ولم تقدم له أساليب التعلم الذاتي المنطلق من التلميذ نفسه، ليس هذا فحسب بل من هنا أجدني حزيناً في كثير من المواقف عندما ألمس بأن العصا ما زال لها مكان في ردهات المدرسة وأحزن عندما أرى الدموع في عيون بعض تلاميذنا نتيجة الشعور بالعقاب اللفظي والذي ما زال يترنح على ألسنة بعض المعلمين وأحزن أكثر عندما أرى أننا اليوم نعيش في عصر الحاسب الآلي والإنترنت وكثير من تلاميذنا يتعاطونها في المنزل ويرونها في أماكن كثيرة وأرى مدارسنا وبعض معلمينا لا يؤمنون بعد بدور الوسيلة التعليمية ولو على الأقل الورقية منها أو البسيطة والمتاحة بين أيديهم وأحزن أكثر عندما لا يزال بعض المعلمين لا يدركون أن التقويم المستمر جاء ليتيح فرص التعلم الكامل والمتقن لجميع المهارات والمعارف والعلوم وجاء ليستمر التلميذ في رحلة تعلم من بداية العام إلى آخر يوم في أجواء تربوية مع الأداء العملي المنوع والاختبارات بنوعيها التحريري والشفهي والواجبات المنزلية المقننة والأنشطة الصيفية التي تحيي في التلميذ العشق المعرفي دون أن يكون الهدف الكسب الدرجاتي أو التنافس اللفظي أو الترتيبي، لن التقويم المستمر جاء ليحقق الكسب المعرفي القائم على التعلم الاتقاني لكل مهارة من المهارات المقررة وهو المطلوب في المرحلة الراهنة.
|