يتعين على السودان الوفاء بموعدين وبمستحقاتهما رغم تفاوت مدتهما.. فالقرار الأخير من مجلس الأمن الدولي يطلب منه نزع سلاح مليشيات متهمة بارتكاب فظائع في إقليم دارفور خلال 30 يوماً، بينما أبرمت الخرطوم اتفاقاً مع كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة قبل شهر من الآن يمهلها 90 يوماً من أجل الوفاء بذات الغرض، وهي قد بدأت فعلاً في تنفيذ اتفاقها مع عنان، الذي ما زال أمامه شهران، لتجد نفسها أمام استحقاق جديد وكأنه يلغي السابق ويتجاوزه.
ومن هنا فإن هناك من يجادل بوجود أجندة خفية وراء قرار مجلس الأمن الدولي الذي يسبب حرجاً بالغاً للخرطوم في مطاردة مليشيات منفلتة مسلحة تعمل في دارفور التي تتجاوز مساحتها مساحة فرنسا، في وقت تجابه فيه الحكومة السودانية عملاً مضنياً يتمثل في توصيل مواد الإغاثة لمئات الآلاف من النازحين بسبب الحرب مع ضآلة الإمكانات وقصور العون الدولي الإنساني.
وقد صدر قرار مجلس الأمن الأخير بعد معركة دبلوماسية حامية وقفت فيها سبع دول ضد القرار إذا كان نصه يشمل كلمة (عقوبات) ولم يتم تمرير القرار إلا بعد حذف هذه الكلمة وإبدالها بعبارة (اتخاذ تدابير لا يدخل في إطارها استخدام القوة المسلحة)، هذا إذا لم يتمكن السودان من الوفاء بنزع المليشيات المعنية.
وواضح من الإجراء ان الولايات المتحدة تستطيع ان تتجاوز عمل الأمم المتحدة التي تعمل وفقاً لاتفاق مع السودان، وان ذلك يربك عملاً منظماً في إطار منظمة دولية، غير ان الولايات المتحدة التي تجاوزت الأمم المتحدة عادت إليها مرة اخرى لكن لكي تعمل وفق قرار تبنته واشنطن وإن لم تستطع إدراج كل ما تريده فيه.
يبقى الآن رؤية الكيفية التي تسير بها الأمور وتتطور بها الأوضاع، خصوصاً تجاه هذه المهلة القصيرة لتسوية مشكلة كبيرة، ونشير الى إقرار وزير الخارجية الأمريكي بأن من الصعوبة بمكان السيطرة على مثل تلك المليشيات، إلا ان كلام الوزير الأمريكي لن يفيد كثيراً إذ انه غير مشمول بقرار مجلس الأمن. ويقود ذلك الى ملاحظة تباين الآراء داخل الإدارة الامريكية بين الذين يتعجلون إنزال العقوبات بالآخرين خصوصاً الدول العربية والإسلامية والذين ينهجون بقدر من الموضوعية ويبتعدون عن المسالك المتطرفة.
وتبدو الغلبة دائماً لأولئك المتطرفين، فمجمل السياسات تجاه المنطقة هي نتاج عمل اليمين المتطرف الذي تظهر بصماته واضحة في فلسطين والعراق وهاهو الآن ينشط في الطرف الجنوبي للعالم العربي وفق عمل منسق يسعى لتدمير كامل الكيان العربي .
|