Monday 2nd August,200411631العددالأثنين 16 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

تعليقاً على مايجري من تكفير وتفجير تعليقاً على مايجري من تكفير وتفجير
د.أبا الخيل:الأحداث الجارية شرٌ يجب على عقلاء الأمة اجتثاثه واستئصاله

  * الرياض - عبدالله العماري:
قال الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ل(الجزيرة) في تعليقه على الأحداث الجارية: إن من العقل والدين وسلوك سبيل المؤمنين أن تجعل قضايا الأمة المصيرية فرصة للمراجعة والمحاسبة، والتأني والتدقيق في المسار، وإصابة الهدف بتلمس مواطن العلل، وسماع الحق ولو كان مرا، وتقبل النصح ولو كان مؤلماً، وديننا مبناه على النصيحة بمعناها الشامل، نصيحة لله في دينه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، كما صح الخبر بذلك عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وإن من القضايا قضية أقضت المضاجع، وآلمت النفوس، وأثارت المكنون، ونتج عنها ما يتسامع الناس به بين الفينة والفينة التي تتمثل في التكفير، وما يقود إليه من التفجير والتدمير والفساد وقتل الأنفس المعصومة وإراقة الدماء، وترويع الآمنين، ومطاردات تستنزف فيها الطاقات، وتهدر فيها الأموال والمقدرات، واختزان لوسائل القتل والتدمير، صور مؤلمة تتسارع في الذهن، ويقف فيها العاقل متحيراً، وتدل دلالة أكيدة على فتنة استشرت، ومحنة استمرت، وشر يجب على عقلاء الأمة التعاون على اجتثاثه واستئصاله كما يجب منع أسبابه وبواعثه، فلا يكفي أن تلتقي المشاعر المؤمنة، والرؤى المتزنة على رفض هذه الصور الشنيعة، والأفعال المنكرة والبراءة منها ومن اصحابها، ولا تعالج المسألة ببيان العمومات الشرعية أو استمداد تلك الإدانة من أساليب الإثارة والتهويل التي يقع فيها بعض من كتب وطرح، وإنما يجب أن تتضافر الجهود وتتكامل الأدوار، وكل منا مطالب بمشاركة وبتحمل المسؤولية أمام الله عز وجل ثم أمام مجتمعه وأمته، ويجب أن نتجرد في نظرتنا وننطلق في معالجتنا لهذا الانحراف المستشري من أصول ديننا، ومبادئ عقيدتنا، ومن هنا يجب أن يكون الأثر الأكبر في الطرح المؤصل، والجهد المؤسس، والتفاعل المثمر، مشاركة في ضبط المسار، وتصحيح الافكار وترشيد التوجهات والبعد عن المغالطات.
وأضاف د. أبا الخيل إن أول المنطلقات الشرعية التأصيلية لمعالجة هذا الأمر هو إظهار عظمة هذا الدين، وشمولية أسسه التي انبنى عليها وإبراز ما تضمنته من محاسن ومزايا:
فأولها: أنه دين إلهي، صادر من حكيم عليم، رؤوف رحيم، عليم بما يصلح العباد ويصلح لهم في عاجلهم وآجلهم، مراعياً أحوالهم، موافقا للعقول السليمة، والفطر المستقيمة، يقول الله سبحانه وتعالى عن أساس هذا الدين، وهو القرآن المجيد {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}.
يقول ابن كثير - رحمه الله - يأمر الله عباده بتدبر القرآن، وتفهم معانيه المحكمة، وألفاظه البليغة، وينهاهم عن الإعراض عنه، ويخبرهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضاد ولا تعارض: لأنه من حكيم حميد فهو حق من حق.. اهـ.
وثاني تلك الميزات . مضيفاً د. أبا الخيل،: أنه دين الفطرة قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} فالفطرة البشرية تقبل التوحيد، وجميع ما جاء به الإسلام من المبادىء والأحكام، والتوجيهات العامة والخاصة.
وثالثها: الكمال والتمام، يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وفي الحديث الصحيح: أن رجلاً من اليهود جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له: آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال: وما هي؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.
فمن ادعى نقص الشريعة أو قصورها عن مسايرة الاعصار، وعدم وفائها بمتطلبات وحوائج أهل الأمصار فهو على ضلال مبين، وخطر عظيم.
واستطرد د. أبا الخيل قائلاً :ان رابع تلك المميزات: الاستمرارية والصلاحية لكل زمان ومكان وأمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمامهم، ودينه خاتم الأديان فلا يقبل الله من أحد ديناً سواه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
يقول ابن القيم - رحمه الله - محذراً من الإعراض عن الكتاب والسنة وتحكيم آراء الرجال، والتعصب للآراء: ما عذر من نبذ الوحيين وراء ظهره في يوم لا تنفع الظالمين فيه المعاذر، أفيظن المعرض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينجو من ربه بآراء الرجال؟ أو يتخلص من بأس الله بكثرة البحوث والجدال، وضروب الأقيسة وتنوع الأشكال؟ أو بالإشارات والشطحات وأنواع الخيال؟ هيهات والله لقد ظن أكذب الظن، ومنته نفسه أبين المحال، وإنما ضمنت النجاة لمن حكم هدى الله على غيره، وتزود التقوى، وأئتم الدليل، وسلك الطريق المستقيم، واستمسك من الوحي بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم ا.هـ.
وخامسها: اليسر ورفع الحرج والمشقة، يقول الله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال سبحانه: {مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما ذلك سمة الإسلام، وما جعل الله فيه من التوبة والكفارات، فليس هناك ضيق إلا ومنه مخرج ومخلص، فمنه ما يكون بالتوبة، ومنه ما يكون برد المظالم.
وأوضح د. أبا الخيل أن سادس تلك المميزات : الاجتماع والاتفاق والائتلاف قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وقال جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } وقد بين الله في كتابه أن من أكبر اسباب الفشل وذهاب القوة الاختلاف، فقال سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع نزاع في مسألة من أمهات مسائل الدين، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف واضح يمثل منهجاً شرعيا في التعامل مع الاختلاف، ورد النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والصدور عن رأي معتبر من العلماء يمثل حكم الله في الواقعة المعينة، أخرج الإمام أحمد وابن ماجة وغيرهما بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية، فغضب حتى كأنما فقىء في وجهه حب الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم؟ أم بهذا وكلتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا).
وسابع تلك الميزات ،يضيف د. أبا الخيل : الوسطية والاعتدال في العبادات والطاعات والأحكام والتصورات والتعاملات وجميع الأحوال، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة يتأسى به ومثالاً يحتذى لكل طالب حجة، فما خير بين أمرين إلا اختار ايسرهما، وحث أمته على الاعتدال والاقتصاد في جميع الأمور، حتى في المأكل والمشرب والمنام وقال: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة)، ولما بعث أبا موسى الأشعري ومعاذا إلى اليمن أوصاهما فقال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا) ودين الله سبحانه وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة أنه قال: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
فتحريف الغالين: هو التعصب والتشدد بغير دليل.
وانتحال المبطلين: هو تحسين الظن بالعقل في الشرعيات ومتابعة الهوى.
وتأويل الجاهلين: الجهل بمصادر الأحكام، وبدلالتها على ما استدل بها عليه.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved