Monday 2nd August,200411631العددالأثنين 16 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

مرسال بريدون أو مسيو إميل!؟ مرسال بريدون أو مسيو إميل!؟
د. عبدالرحمن الحبيب

(أشكر تجاوبك مع مداولتي مع بعض الإخوان، كالأستاذ عبدالقادر الغنامي، حول مقترحي استعمال (بريدون) على وزن (تليفون) لتحل محل (إميل)، والأخيرة توازي في كتابتها الاسم الإفرنجي العلم إيميل ومؤنثها إيميلي.
وتلاحظ حضرتك، وعموم القارئين الكرام، بدء تراجعي وتنازلي عن فكرة (بريدون) التي حاولت خلال الخمس سنوات الماضية ترويجها بين الناس، فلم ألاق إلا العنت.. وأحياناً التندر، وفي غالب الأحيان: التغاضي المهذب.. وبالمقابل، وجدت الزملاء يمضون قدماً في استعمال (إيميل) المنجلزة، بل وحتى في جمعها ك(إيميلات)!.. وهكذا. وما بقي بعد هذا الآن إلا وأن يأتي آت، فيستخرج صيغة الفعل أيضاً، ويكمل (السيناريو)، كأن يقول: إيملت لك.. وفلان أيمل لي!..)
ما تقدم كان الثلث الأول من رسالة من الصديق العزيز الدكتور إبراهيم عباس نتو وجهها إلى د. محمود عباس (المنظمة العالمية للمترجمين العرب).. وتناولت بقية الرسالة بعض المفردات الأخرى كالبيجر (المنادي) والموبايل (الجوال، المحمول، الخليوي..) والإنترنت (الشبكاتي)، مع اقتراح بأن يتم ترويج هذه المفردات من خلال المنظمة. وقد كان فحوى رد د. عباس بأن هناك ضعفاً باللغة العربية عند بعضنا ويفضل إشراك مختصين باللغة، كما يقترح إشراك الصحافة لتبني المصطلحات الحديثة لتشيع بين الناس. وقد بعث د. نتو بهاتين الرسالتين لمناقشتهما، وهنا تعليقي:
أستاذي إبراهيم رغم اتفاقي معك فيما ذكرت، فإني أختلف في مسألة تغيير المصطلح بعد شيوعه، خاصة إذا كان سهلاً وعملياً ففي مجال استخدام المصطلحات في اللغة العربية، أزعم لنفسي أني أنتمي للتوجه الواقعي أو العقلاني الممكن، وشعاري هو مقولة صاحب الخصائص عثمان بن جني: (ما قيل على لسان العرب فهو من كلام العرب)، وهو يعني حتى زمانه القرن الهجري الرابع حين شاع اللحن وكثر الدخيل على اللغة. اختلافي هو في صعوبة أو استحالة تغيير المصطلح بعد شيوعه. أين المجامع والجهات المختصة أثناء ظهور المصطلح؟ لماذا يأتون متأخرين ثم يطالبون الناس بتغيير ألسنتهم؟ المثل الشعبي يقول: (من سبق لبق)! وفي ظني أنه من غير العملي تغيير كلمة إميل، فقد تأخر الوقت.
ومهما يكن، فما الغضاضة في كلمة إيميل، إذا كانت عملية يمكن اشتقاقها وسهلة الصرف (أَيمَلَ، يؤيملُ، أيملة) ودرجت على الألسن؟ كما أنها لا تتوافق في النطق مع كلمة عربية سابقة. وهذا بزعمي ينطبق على كلمة الإنترنت (تَرْنَتَ، يُترنتُ، ترنتة). فما الخوف من الانفتاح على مفردات واردة وفقا لأساليب الاشتقاق المنساقة مع لسان العرب؟ قاموس أكسفورد الإنجليزي يجدد دورياً، وتدخل فيه كلمات متنوعة من سوقية وعلمية وأدبية وفلسفية من شتى أصقاع العالم، فحتى كلمتي جهاد وانتفاضة قد أدرجتا في هذا القاموس دون حساسية وأصبحت من الإنجليزية، كما فعل جيل مرتادي دار الحكمة في عصر المأمون.
إن العربية تعاني من فقر مدقع في قاموس المصطلحات العلمية والتقنية، وأهم أسباب ذلك هو أساليب صياغة المصطلح ثم وسائل ترويجه وتوحيده. فمع التوسع الهائل للعلوم أصبح للمصطلح علم قائم بذاته (Terminology) كأحد فروع علم المعجمية (Lexicology)، يهدف لوضع أسس ومعايير علمية لضبط المصطلح كأن يكون المصطلح واحداً يعبر عن مفهوم واحد واضح ومباشر، وأن يقبل الاشتقاق مع الأخذ في الاعتبار البناء الصوتي والصرفي المناسب للغة ويكون قصيراً ما أمكن.. الخ.
ورغم الجهود المبذولة من قبل مجامع اللغة وبعض الجامعات في وضع مناهج لاستحداث المصطلح من اشتقاق ومجاز وتوليد واقتراض وتعريب ونحت وتركيب (المزجي، الإضافي، الإسنادي) وإضافة اللواحق والسوابق، إلا أن هذه الأساليب تمارس بالطريقة القديمة والقوانين التقليدية وكانت تؤدي غرضها، أما في الوقت الراهن فهي لا تغطي إلا نزراً يسيراً من غابة المصطلحات المتنامية، فنحن في حاجة للتوسع في هذه الأساليب، ففي الاشتقاق مثلاً يلتزم بالأوزان الصرفية المعروفة في الفصحى، ولكن التزام هذه الأوزان فقط هو خنق لإمكانية اللغة العربية الرحبة، حيث يبلغ المستعمل من الأبنية العربية حسب إحصائية أوردها السيوطي عن الزبيدي في مختصر كتاب العين خمسة آلاف وستمئة وعشرين، وهو شطر ضئيل من مجموع الأبنية الممكنة التي تبلغ أكثر من 12 مليون (هادي العلوي). لم تعد اللغة العربية - والحالة هذه - قادرة على تغطية الكم الهائل من المصطلحات الجديدة فالخناق يضيق على الباحث العربي في زمن ثورة المعلومات وانفجار المصطلحات. مما يضع الباحث أمام خيار واحد وهو استخدام المصطلح الأجنبي كما هو. فالحاجة، إذن، ملحة للتوسع في الأساليب التقليدية وتوظيفها بطريقة أكثر فعالية، وابتداع أساليب جديدة.
وفي زعمي أن من الأساليب الجديدة التي قلما يشار إليها في صياغة المصطلح العلمي، هي الاستفادة من العامية في مقابل الأجنبي وليس في مقابل الفصيح. فعادة، إذا واجهنا مصطلح أجنبي وأردنا ترجمته إلى العربية، واستنفذنا كافة الأساليب التقليدية نقوم بتعريبه (أي نقل اللفظة الأجنبية كما هي)، ولكن أليس من الأجدى أن يتم اللجوء إلى العامي العربي قبل تبني الأجنبي. لقد سبق أن أصدر مجمع اللغة بالقاهرة قراراً يتضمن: (تحرير السماع من قيود الزمان والمكان ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبنائين وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات). ولكن حتى هذه اللحظة لا يزال كثير من اللغويين يغلقون أي باب للتوسع، خاصة في تصريف وتوليد المفردات، فيتحرج كثير من الباحثين العلميين من الخوض في هذا المجال.
وفي كل الأحوال، من أراد أن يتبعه الناس في تسمية مصطلح عليه أن يأتي أثناء ظهور المنتج في الأسواق ويطلق ما يراه من مفردة مناسبة وستطوعها الألسن، أما إذا جاء متأخراً فلا يلوم الناس على عدم إصغائهم إليه. وقديماً قال النحاة: (خطأ شائع خير من صحيح مهجور).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved