يميل الإنسان -في كل عصر- إلى التعاون مع غيره لتحقيق عناصر أمنه، وللاستفادة من حاضره، واستشراف مستقبله، وفي هذا العصر أصبح العمل المؤسسي سمة ظاهرة من سماته في مختلف مجالات الحياة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها، مع الحرص على التخطيط لهذا العمل بما يكفل نجاحه واستمراره، ومن هنا يمكن النظر إلى إنشاء مجلس التعاون الخليجي من زاوية رسالته الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وأثرها في تحقيق الانتماء المرام من ايجاده وتمتين العلائق بين شعوب هذه البقعة الجغرافية من العالم التي اختصها الله عز وجل بخصائص ومنها انطلق نور الإسلام خاتم الأديان، وإليها يفد المسلمون في كل عام لأداء الركن الخامس من أركان دينهم.
(البعد الرسالي لمجلس التعاون الخليجي - بلاد الجزيرة العربية) عنوان كتاب أعده مجموعة من الباحثين وصدر عن مركز البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، يؤكد وعي هذا المركز برسالته العلمية والثقافية في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، وبما يواكب الأثر الحضاري للأمة في ضوء مستجدات الأحداث.
تضمن الكتاب ثلاثة محاور رئيسة تصب فيها روافد متعددة تناولت موضوع هذا الكتاب، فالمحور الأول استهدف استنطاق الماضي المجيد، ملقياً الضوء على أرض النبوات: الجزيرة العربية وعطاء القيادة الحضارية للعالم من خلال التجربة التاريخية، وفي المحور الثاني تركز الحديث حول الإمكانات المذخورة والمتاحة لأهل هذه الأرض، وبصفة خاصة: الإمكان التاريخي بإرثه العظيم وأنموذجه التطبيقي وعطائه الإنساني الرائد على مستوى الذات والآخر، والإمكان الثقافي برسالته الدينية واحتضان المشاعر المقدسة وتوجه قلوب المسلمين في العالم إلى الأرض المقدسة في الجزيرة العربية، والإمكان الاجتماعي المتمثل في عوامل التجانس والتشكيل المشترك بين أبناء الجزيرة العربية في ميادين اللغة واللهجة والتاريخ المشترك والعادات والتقاليد وطبيعة الوحدات الاجتماعية، والوحدة الجغرافية، وتقارب الظروف الطبيعية، والتزاوج، والتداخل السكاني الديموغرافي، والإمكان الاقتصادي المتمثل في الطاقات الكامنة في الأرض، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، وارتفاع مستوى الدخل، وتوافر مقومات الأمن. وجاء المحور الثالث وصفاً للواقع واستشرافاً للمستقبل من خلال بيان الحاجة الإنسانية للوظيفة الرسالية ولا سيما في الكيانات المؤسسية، وتلمس مواطن الخلل وأسباب القصور وعوامل الإعاقة، واقتراح أفضل السبل للنهوض بالوظيفة الرسالية من أبناء هذه الجزيرة المباركة لإلحاق الرحمة بالعالمين.
هذا الكتاب يمكن وصفه بأنه مشروع ثقافي ذو طبيعة موسوعية، ويتأكد هذا الوصف من خلال النظر إلى أمرين مهمين، أولهما: تنوع موضوعاته التي يتضح من التمعن في محاوره أنها مدت رؤيتها لتشمل مختلف مجالات الحياة الإنسانية، ومحاولة توظيف تنوع هذه المجالات في عملية بث الوعي بأهمية الوظيفة الرسالية المنوطة بالأمة وضرورة القيام بمسؤولياتها وتحمل أعبائها.
والأمر الثاني أنه عند استعراض أسماء الباحثين المشاركين في تحرير هذا الإصدار بمعالجاتهم البحثية سوف يتضح بجلاء تنوع مشاربهم الفكرية والثقافية، وهم: الدكتور بكر أبو زيد والدكتور جاسم الياسين، والدكتور عارف الشيخ، والدكتور عبدالرزاق الشايجي، والدكتور عبدالغفار الشيزاوي، والدكتور عبداللطيف آل محمود، والدكتور علي الكبيسي، والاستاذ عمر حسنة، والدكتور فهد آل ثاني، والدكتور مالك الأحمد، والدكتور محمد المسفر، والدكتورة ميثاء الشامسي، والدكتور ناصر العمر.
كما أن جوانب الموضوعات التي شملها البحث يؤكد هذه النظرة، فقد تناولت خصائص جزيرة العرب، وإبصار مستقبل المنطقة بحكم ان الإسلام دين المستقبل، وسبل معاودة الوظيفة الرسالية، واسترداد فاعلية الأمة، والامكانات المذخورة المساعدة على ذلك، وركائز النهوض، ومنطلقات تفعيل المسؤولية الحضارية، وكيفية الإفادة الحقيقية من العقول المؤهلة، ومن التجربة التاريخية الثرية، ومن المشترك الفكري والثقافي والاجتماعي.
* ص.ب30242 الرياض 11477
|