{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.. وإنا على فراق (أبو خالد) لمحزونون.. لقد ترجل فارس الرياضة وأحد أكبر عرابها ورموزها وخلت ساحة الشباب والرياضة اليوم من عملاق كبير كان خلالها شاهداً و(صانعاً) لمفردات تاريخ الرياضة بالمملكة منذ ما يقارب نصف قرن.
** ودعنا (أبو خالد) دون سابق إنذار لنقول له كلمة واحدة: (سامحونا) لكن تبقى دعواتنا الحارة بأن يتغمده الله بواسع مغفرته ورحمته وأن يسكنه فسيح جناته.
** كان عبد الرحمن بن سعود قامة شامخة ولقد استطاع ان يشق طريق النجاح بكفاحه وصبره واستخدامه كافة مفاتيح القيادة والإدارة الحديثة التي فتحت له أبواب المجد...
** مارس التحدي والرغبة في بناء شخصية نادٍ مغمور لم يكن وقتها علماً كالهلال أو الأهلي (سابقاً) الرياض (حالياً) أو الشباب... تعهده منذ الصغر ورعاه بحب وحنان كأحد أبنائه.. كنت طفلاً بحدود سن العاشرة ولأول مرة قدمت صيفاً من مدينتي الرس لرؤية الرياض.. وبرفقة بعض أقاربي اطلعت على معالمها التي تنحصر في شارع البطحاء والوزير والثميري.
ولكن ماذا عن رياضة كرة القدم؟
** لقد تم ترتيب (برنامج) زيارة للوقوف على فرق الرياض وهي تزاول تمارينها عصراً على ملاعب ترابية.. توجهنا ودرجة الحرارة قد تصل الأربعين إلى ملعب في المربع وشاهدت (وايت الماء) يرش الملعب استعداداً لانطلاقة التمرين وسط حضور جماهيري، القلة منه تمتلك سيارات وكان الأكثر حظاً هو من لديه (سجادة صلاة) ليفترشها ويجلس عليها لمشاهدة اللاعبين.
** هناك بائع (الفصفص) المتجول وآخر للآسكريم... وثالث للماء وهم يدورون على الملعب سيراً على الأقدام في الجهة الغربية وأمام خط منتصف الدائرة بدا واضحاً لطفل في سني ان هناك شخصية مرموقة وغير عادية فالعلامات البارزة تتمثل في سيارات فخمة (وسجاد زل) و(وثلاجات)، قهوة وشاي وماء بارد وعصائر.
** اقتربت بدافع الفضول شيئاً فشيئاً حتى وصلت لذلك الموقع وقد أخبرت بأن تلك الشخصية التي تتحدث بفصاحة وطلاقة لسان ويميل للضحك ومداعبة من حوله..هو رئيس النصر الأمير عبدالرحمن بن سعود الذي كان (يلاطف) الحضور ويطبق حالة من التواضع لدرجة لا يمكن التصديق بها.. وعرفت أكثر أنه يشجعهم على الانتماء لهذا النادي بأسلوب ماتع وشائق.
كان (أبو خالد) منتظماً في حضور التمارين للمشاهدة ولزيادة دافعية العطاء والإخلاص لدى اللاعبين وهذه تعد المقدمة الأولى لرحلة النجاح التي قطف ثمارها لاحقاً ولا شك أن البناء النصراوي بدأ يسير نحو الأفضل لمقارعة الأندية ومن ثم التفوق عليها وأخيراً سحب البساط من تحت أقدامها.
** بعد أن شاهدت تمرين النصر كنت قد توجهت في يوم لاحق لزيارة النادي في شارع الخزان لرؤية (السينما) التي كانت بالنسبة لي ضرباً من الخيال عند بوابة النادي، كان الراحل عبدالرحمن بن سعود واقفاً، بجواره أشخاص ثلاثة يتجادل معهم الحديث لأكثر من ساعة حول مفهوم محبة النصر ونادي النصر ويعدهم بأنه سيجعل منه بطلاً للمملكة.
** كان -رحمه الله- يمتلك سعة صدر عالية وقدرة فائقة على إقناع الآخرين بوجهات نظره.
** (كبرنا) وانضممت لعالم الصحافة.. وتعرفت عن كثب على الأمير عبدالرحمن بن سعود والتقيته في مناسبات عديدة.. ورغم (اختلافاتنا) معه في بعض الرؤى والأطروحات إلا أنه كان دائماً يرفع شعار روح المودة والأخوة.
** ذات مرة قمت بإجراء مقابلة صحفية مع زاجالو بعد أن تعاقد الهلال معه عقب المنتخب الكويتي ونشرت في يومين متتاليين... وفي الجزء الأول
كانت عناوين بارزة لما يتضمنه لقاء الجزء الثاني والأخير.. ومن بينها قالها زاجالو بالعربية: سنفوز على النصر!! وكانت هناك مباراة مرتقبة في الأسبوع القادم بين الفريقين.. الوقت ظهراً وكنت في (الجزيرة) بشارع الناصرية.. كان محدثي على الهاتف الأمير عبدالرحمن بن سعود مداعبا بأسلوبه المعتاد.
وأذكر مما قاله: هذه الحرب النفسية على النصر لن تنجح وأطلب منك أن تبلغ زاجالو بأنه لو لعبت (الجزيرة) إلى جانب الهلال وعلى رأسهم الشيخ صالح المجروش (مدير عام المؤسسة السابق) وخالد المالك رئيس التحرير... فالفوز حليف النصر!
وعلى فكرة فإنني لا أتذكر -للأسف- نتيجة تلك المباراة!!
** أبو خالد تاريخ حافل مليء بالذكريات.. رحل عن هذه الدنيا الفانية.. وعلينا أن نقلب الصفحات ونستعيدها للتأمل وتحقيق للفائدة!
** وداعاً عبدالرحمن بن سعود، كان نجماً فهوى، وتلك إرادة الله سبحانه وتعالى.. رحمك الله وطيب مثواك وإلى الملتقى في جنات النعيم بإذن رب العالمين.
وسامحونا !!
|