حاول جون كيري مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأمريكية الظهور بمظهر رجل الدولة المعتدل المتوازن في سياساته الدولية، لكنة لم يستطع كبت أهواء التطرف كما لم يستطع المضي في لعبة الاعتدال إلى نهاية الشوط، ومن ثم فقد ظهر كرجل ساذج على الساحة الدولية وهو يعد، بكل زهو وخيلاء، بأنه سيعمل على الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط وخصوصاً النفط السعودي عندما يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
كيري الذي كان يتحدث في ختام المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي كان ينتقد سياسات منافسه بوش الذي عمل على توريط البلاد في حرب دون أن يتمكن من بناء جبهة قوية لهذه الحرب، ومن ثم فقد راح كيري يسهب في كيفية خلق أمريكا الجديدة على قاعدة من التعاون الدولي الفعال والتحالفات القوية التي تتيح العمل مع الجميع لصالح الانسانية، لكنه هاهو يسقط في أول اختبار نظري في كيفية التعامل الدولي، ويبادر بالعداء ضد الآخرين دون تقدير حصيف للطرف الآخر وموقعه من السياسة الأمريكية.
وكان يكفي كيري ان يراجع ملفات بلاده وعلاقاتها مع الآخرين، خصوصاً الدول الفاعلة، ليعرف ان العلاقات الأمريكية السعودية ليست علاقة عابرة، وإنما تحكمها مصالح مشتركة وتعاون أثبت طوال عقود عديدة انه قادر على الصمود، وان المملكة ظلت من أكثر المصادر موثوقية بالنسبة للولايات المتحدة في مجال الامدادات النفظية، وان عناصر عديدة تجعل من هذا التعاون أمراً حتمياً وضرورياً ليس فقط للبلدين بل وللعالم أجمع.
ولم يكن غريباً ملاحظة ان أول المهنئين لكيري على خطابه الذي يعتبر مثل ورقة العمل التي يخوض بها الانتخابات، كان ارييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال انه وجد في خطاب كيري (عناصر مهمة لاسرائيل).
فقد سمع شارون كلاماً يسعده من نوع (ان عودة اللاجئين الفلسطينيين يجب ان تتم ضمن حدود الدولة الفلسطينية المقبلة وليس داخل حدود اسرائيل)، لكنه سمع ايضا ما يمكن ان يقود إلى تدمير العلاقة بين واشنطن ودولة عربية وإسلامية كبرى هي المملكة.
كلام كيري يرضي أيضاً الكثيرين من أركان اليمين المحافظ ذي التأثير الكبير في السياسات الأمريكية والمساند لاسرائيل على طول الخط، وهو كلام ينزل برداً وسلاماً على الرؤوس الكبيرة في اللوبي الصهيوني التي لا تتوقع من مرشح للرئاسة ألا تقديم فروض الولاء بمثل هذه الخطابات التي تسعد اسرائيل.
ولن يخرج كيري كثيراً عن دائرة أسلافه في ضرورة تمتين العلاقات مع اسرائيل ودعم دعاويها الباطلة بشأن التسوية، لكن اسلافه، كانوا يعرفون انهم يعيشون في عالم فيه آخرون غير اسرائيل، ولهذا كانوا اكثر حرصاً على الوفاء بمقتضيات سياسة دولية متعددة المحاور، تستوجب العمل باتزان في عدة اتجاهات، وان كان الميل لإسرائيل يجرفهم في كل الأوقات، ومع ذلك فهم يحاولون الامساك بخيوط اللعبة قدر إمكانهم دون المبادرة بإظهار العداء للآخرين.
|