ليس ضرورياً أن تؤتي الكتابة أكلها في كل حين. فبينما يحاول البعض التقاط هموم الناس، من مبدأ ان شؤون المواطن يجب ان تتصدر هاجس الكتابة، فإن بعضاً آخر يحصر همه في إبراز ردود بعض الوزراء والمسؤولين لمجرد التباهي بأن هناك من يتجاوب معه ممن هم أعلى شأناً.
هنا، لا يعرف هذا البعض كيف يشكر معالي الوزير الذي تفضل مشكوراً بالرد والاستجابة، وهو ما يفضي ضمناً الى اعطاء اشارة واضحة لأهمية الكاتب يجب أن تنتبه لها ادارة الصحيفة التي يعمل فيها، انطلاقاً من نوعية الردود التي تحظى بها زاويته، فتتحول الراسلة الاعلامية هنا الى نقيض المرجو منها.
الغائب عن ذهن البعض من الاعلاميين أن الوزير مواطن يؤدي عملاً ومهمة وطنية تشرف على مصالح المواطنين، وأن مواطنته لا تلصق به هذه الأهمية إلا من مبدأ التكليف وتشريف الرسالة الوطنية التي يحظى بها.
اما ما هو أهم من ذلك كله، فهو المواطن الذي يجب أن يولى العناية الأكبر. فمن أجل هذا المواطن وجدت الوزارات والوزير ايضاً، ومن أجله أيضاً وجدت الصحف للانارة وتبادل الوعي والتلقي، واي حقيقة يمكن أن تلغي هذا الجانب تتحول الى مغالطة ومداهنة.
اذا كان هم الكاتب فقط أن يرد عليه مسؤول من النوع الثقيل، فلا أظن ذلك مهماً لدى المواطن العادي، اما اذا كان هدفه الأسمى هو المعالجة والتوضيح، وايصال ما تعثر لدى البسطاء والكادحين من المطالب، فتلك هي المهمة السامية والتي يجب أن ترتقي اليها جميع المصالح والاشارات الشخصية.
الوزراة، كونها تأتي بين قمم المؤسسات العليا في الدولة، ليست خالدة وابدية، بل ان التحديث بها هو ما ييسر تلبية مطالب ومصالح المواطن اولاً، وما الوزراء سوى موظفين مرحليين يشرفون على حقب زمنية بالجدارة والكفاءة، وهم من يفترض بهم أن يثبتوا ذلك او العكس.
اما ما دون هذه الحقيقة مما يلجأ اليه البعض لجهة الاكتفاء بنقل وابراز ردود بعض الوزراء مباشرة أو من خلال مديري مكاتبهم، فإنه ابعاد وتغريب للدور المباشر الذي يقوم به المسؤول، وليس للمواطن او القارئ دور في ذلك، سوى الشعور بالفجوة بين مصالحه وبين همزة الوصل التي تربطه بمسألة التجاوب تلك . وعندها يكون الكاتب في وادٍ فيما هموم المواطن في وادٍ آخر.
قد لا يحجب هذا كله حق البعض في تذوق قيمتهم وتقدير افكارهم، لكن ليس من حقهم ايضاً اشعارالقارئ مراراً وتكراراً بأن مجرد الرد من المسؤول يستحق النشر، كائناً ما كان هذا الرد، باعتبار انه كان من مسؤول رفيع.
الاهم من ذلك الا تغيب الفكرة التي تفعل نفسها، وهي خدمة المواطن ثم المواطن.
الناس بحاجة الى تلمس الخدمات فعلياً، والى شعور عام يذيب فارق البيروقراطية عن همومهم وارقهم، وان الوقت الآن اصبح لا يتسع سوى للعمل الفعلي والملموس، وليس للخطط المكتوبة والردود المعدة والمنمقة.
|