كثير هم الذين يفتون في علاج الأمراض الجلدية قديمها وحديثها، ولا يمر يوم إلا ويراجعني أحدهم يتناول بعض الأدوية لعلاج مرض جلدي ما.
ولا تستغربوا - أيها السادة - إن كان طبيبه الجلدي الذي وصف له هذه الأدوية هو جاره أو عمه أو خاله أو ربما صديقه.
وأجزم أن جميع هؤلاء لم يمروا يوماً في مباني كلية الطب، فكيف لهم أن يتخرجوا منها؟ وكيف يدّعون أنهم أطباء جلد؟
لماذا كثر هؤلاء المخلصون الحكماء وأهل النخوة والنشامى في إصدار فتاواهم واستشاراتهم الطبية في علوم الجلد بالأخص؟ ولماذا لا يطلقون فتاواهم في علاج أمراض القلب والكبد والكلية مثلاً؟ ولو أفتوا فهل يقبل أحد من المرضى الكرام بالأخذ بفتواهم؟ لا أعتقد ذلك.
الشيخ والصيدلي والمشعوذ والحلاق والحماة والكنة وبائع العسل ومواد العطارة والجارة كلهم أطباء جلد استشاريون في أقدم وأحدث الطرق لمعالجة الأمراض الجلدية، فكل احمرار على الجلد عندهم (فطريات) وكل طفح جلدي لا يدركون طبيعته هو (تحسس) وأكبر متهم عندهم هو البيض يتلوه الدجاج والكاري أو ربما (الروبيان). لقد أصبح طب الجلد يمارس من قبل فئة من المشعوذين والمنجمين، ومن دواعي الأسف أن فئة من العاملين في المجال الطبي نفسه راحوا يصرفون الأدوية والعلاجات المختلفة والمتنوعة للعديد من الأمراض الجلدية دون أدنى علم أو دراية بعلوم طب الجلد، ضاربين بعرض الحائط جميع الأعراف الطبية المعروفة. إنهم ربما يصيبون مرة لكنهم يخطئون عشرات المرات.
لا ريب أن الجلد هو أكبر أجهزة الإنسان وهو ظاهر للعيان.
الكل يراه ويرى المرض واضحاً عليه، فيقوم بالتشبيه والقياس لما عرفه أو رآه أو سمعه أو قرأه أو حتى ورثه عن والده فيحكم ويحدد التشخيص ثم يبدأ رحلة العلاج.ونظراً لما يختص به هذا الجهاز البشري القوي العنيد وهذه اللحافة المتينة المنيعة من خصائص في تحمل الظروف والأوضاع القاسية، وما فطر عليه الإنسان من مزاجٍ وتأثير نفسي وعاطفي، وجد أصحاب الفتوى استباحة الجلد أمراً سهلاً لإجراء تجاربهم ونظرياتهم واختباراتهم عليه وهو صابر (جلود) على إيذائهم محتسب أجره عند الله العزيز الحكيم.
إن الحقيقة والواقع يدحضان هذا التفكير الخاطئ الذي ينطوي على جهل عميق واستخفاف كبير بفرع واسع من فروع الطب.
فهذه اللحافة الجلدية المعقدة والمكونة من خلايا وأوعية دموية وأعصاب وغدد والمكسوة بالشعر والوبر والأظافر لهي صورة مذهلة من تركيب إلهي دقيق يفحم أدق التقنيات الصناعية البشرية. وعادة ما يعود هؤلاء المرضى المساكين إلى جمهور أطباء الجلد يشكون ما قد حصل نادمين آسفين.بعد هذا كله يأتي دور طبيب الجلد ليدلي بدلوه في مرض قد تشوه من كثرة المراهم وازداد واتسع من إساءة (الحكماء) وأزمن من سوء الرعاية والاهتمام.
أوليس كلمة (جَلود) مشتقة من كلمة جلد؟ وهي أعلى درجات الاحتمال والصبر. لقد آن الأوان أن نأخذ الفتوى من أصحابها وأن نحترم جلودنا حق الاحترام، نعطيها حقها ونتركها للأيادي الأمينة التي ترعاها حق الرعاية بعد الله عزت قدرته.
عيادات ديرما - الرياض |