Saturday 31th July,200411629العددالسبت 14 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

ايديولوجيا الدم تسكن سلوك القتلة وتنحر الثقافة البديلة وتمنع الاختلاف ايديولوجيا الدم تسكن سلوك القتلة وتنحر الثقافة البديلة وتمنع الاختلاف

  * الرياض - روضة الجيزاني:
هل اخترقت إيديولوجيا الدم المتطرفين وتأصلت في قناعاتهم فأصبح لديهم سلوك إجرامي يسمى (الذبح) !؟ كيف تكونت هذه الثقافة الدموية لديهم، وما هي الأسباب والعوامل التي جعلتهم مهيئين نفسياً وجسدياً للقيام بهذا العمل الوحشي..
كيف نحمي مجتمعنا من هذه الإيديولوجيا وما هو الدور الذي يجب القيام به حتى لا تصبح هذه الأزمة بداية ظاهرة غريبة جديدة.. فعلينا أن ندرك أن سيلاً من الدم ينجرف نحونا وأن دورنا لا يقتصر على الهروب من أمامه وإنما الإدراك أن ثمة خطر أكبر قادم سوف يقتلع كل ما هو أمامنا وعلينا جميعاً التصدي له.
وفي هذا الاستطلاع نطرح هذه القضية في إطار اجتماعي ونفسي ونناقش هذه الأزمة الاستثنائية. ونحاول أن نجيب على السؤال: هل تشكل لدى هؤلاء إيديولوجيا الدم فأصبح هو العامل المحرض لهم؟!.
* يقول الدكتور خالد بن سعد استشاري الطب النفسي بمستشفى الملك فهد للحرس الوطني.
- لا أعتقد ذلك فالعوامل كثيرة وهي مرتبطة بالمجتمع والأشخاص الذين هم مرتبطين ارتباطا وثيقا بالمجتمع، ولكن هناك أشخاصاً لديهم روح العدوانية والتي قد تتسم بالتدمير والعنف والقتل وعادة تعرف بالشخصية (السيكولافية) وهي تحتكم دائما وتستجيب للعنف والتدمير، كما أنها تتميز بذكاء عال ولكن للأسف يسخر دائما للشر.
- وعن العوامل المساعدة لهذا الفعل يضيف:
- هناك ضحايا وهناك من هم مهيئون للقيام بمثل هذه الأعمال للتنشئة الاجتماعية، وفقدان الرعاية الأسرية إضافة إلى اكتساب ثقافة معينة وجيدة مسيطرة، إذن العوامل موجودة والفكرة التي تُعرف بخلف الستار موجودة أيضاً وكل ذلك ينتظر الظروف والمناخ المناسب للقيام به، ولكن علينا أن لا نهمل الأدوار الأخرى التي قد تكون محرضة مثل الظروف الأسرية والاجتماعية والسياسية.
وعن إجابته عن السؤال هل التراكمات التاريخية رسخت مفهوم العنف لدى هؤلاء؟، يقول:
- هذا صحيح، فلابد من وجود أسباب أصلية وأسباب فرعية مثل تاريخ الصراعات والتراكمات الاجتماعية المرتبطة بالأوضاع العامة السياسية فمثلاً التاريخ الأفغاني أعطى صورة مثالية عن الجهاد ورسم صورة مثالية عن سلوكياته، هذه الصورة الذهنية أثرت في ذهن ابن القرية وساندت الظروف المحيطة به ودفعه إلى طريق الشر.
- وعن كيفية حماية الأجيال من هذه الصورة الذهنية، يقول د. خالد: دائماً نعود إلى الأصل، وهنا نقول التنشئة فمنذ الصغر يكتسب الطفل ثقافة معينة إذا كانت هذه الثقافة صحيحة والتنشئة الاجتماعية سليمة استطعنا أن نبني البناء السليم والصحيح، كما أود التشديد على بناء شخصية الطفل مثل تركه يعبر بنفسه وتنمية كوامن الإبداع لديه سواء في المنزل أو المدرسة إذا ما وضعنا هذه الأمور الهامة أمامنا فمن الطبيعي أن يصبح لدينا جيل مختلف جيل جديد قادم قادر على البناء والعطاء بعيداً كل البعد عن العدوانية.
* وعن إجابة السؤال الهام، هل ما يحدث الآن يعد ظاهرة جديدة أم أنها مجرد أزمة استثنائية تخضع لظروف معينة سوف نتخلص منها قريباً.. يقول رئيس تحرير صحيفة الوطن سابقاً والكاتب الأستاذ قينان الغامدي:
- آمل ان تكون هذه الأعمال مجرد أزمة سريعة سرعان ما يتم القضاء عليها، نحن نود القضاء على الفكر الذي أوجد وحلل مثل هذه الأعمال البشعة وكلنا شاهدنا السيناريو المؤلم لقتل المواطن الأمريكي (جونسون) لذا القضاء على هذا الفكر يحتاج لاستراتيجية وآلية طويلة الأمد.
وأضاف: أعتقد أن ما تم طرحه عبر وسائل الإعلام المختلفة لا يكفي لمحاربة هذا الفكر ولم يعط صورة ايجابية، ولكن أود الإشارة إلى أن مهلة العفو الملكي قد أثمرت حيث إنها كرست لمفهوم جديد لدى الناس ونتج عنه اطروحات ايجابية في ذلك الاتجاه وقلل من روح التعاطف مع هؤلاء المجرمين.
وأضاف الغامدي: علينا محاربة هذا الفكر وعلينا الاعتراف انه موجود في أماكن عديدة ولدى بعض الناس مثلاً: في الجامعات بين الطالبات والطلبة وداخل المؤسسات الحكومية ومن هنا يجب أن يكون دورنا أكبر من ذلك وإقناع الناس بأن هذه العقيدة مدمرة تقضي على كل ما هو إنساني في الحياة.
العنف في بلادنا يحتاج إلى تفكيك وتشريح
وكإجابة على السؤال ما هي العوامل الأساسية التي ساهمت في بناء الفكر الإرهابي وجعلت منه سلوكاً ومن ثم تنظيماً يقوم بمثل هذه الأعمال الإجرامية يعود بنا الباحث الأكاديمي الدكتور عبدالرحمن الحبيب إلى بواعث العنف فيقول: من المعروف أن العنف ظاهرة مركبة يتداخل فيها شبكة عوامل تتغير وفقاً للمكان والزمان، وفي هذه الأيام يحتاج العنف الذي ظهر في بلادنا للتشريح والتفكيك من عدة أصعدة سياسية وأمنية وثقافية وتربوية واجتماعية لأن الإرهاب يبدأ أساساً من العقل والتطرف يترسخ في العقل ثم ينتقل إلى السلوك والعقل المتعصب بدوره يظهر من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية وأقصد في ذلك بتوهم الحقيقة وتجميد الفكر ورفض الاختلاف والتعددية واستسهال التكفير والعمالة والتخوين تؤسس لإيديولوجيا الدم، فهذه العقلية تعتمد على العاطفة الهوجاء وغير سببية أي تسند على أسباب غير مرتبطة بواقع المسألة وغير عقلانية لا تربط بين المعطيات والنتائج، فالتعصب إذن يمنع الذهن من التفكير الحر محيلة في ذلك أداة قمع وإكراه ورفض للحوار مع الآخر متنقلاً في ذلك إلى سلوك عنيف في التعامل مع المخالفين فكرياً كالتعرض لهم بالقوة الجسدية.
* ويضيف د. الحبيب:
- قد يتطور هذا السلوك العدائي إلى تنظيم إرهابي ووحشي وذلك عندما يبيح لنفسه ممارسة ما شاء من التعديات على حقوق الآخرين أو حياتهم وقد يتمادى إلى وحشية مريرة حين يتحول إلى مجرد حقد أعمى يتربص بالضحية ولا يكفيه قتلها كضحية معركة بل إلى التمثيل بها محولاً فكره الإرهابي إلى كراهية محضة لذات الضحية أو العدو، هادفاً إلى تمريغ ما وراء هوية الضحية أو الهوية الإنسانية ذاتها وإلى ترويع الآمنين بمشاهد همجية وهنا يتحول الفكر الإرهابي إلى إيديولوجيا دموية محضة.
- وهنا أود الإشارة إلى شيء هام وهو أن بعض مظاهر العنف البريئة في بعض الثقافات الفرعية في مجتمعنا عبر قيم كثيرة تُمجد الشجاعة المفرطة والعنيفة وتحض عليها مثل حمل السلاح والمهارة في استخدامه كرمز للرجولة والشرف فيشب الصغار وقد تسلحوا بكمية هائلة من التبريرات المؤيدة للعنف تسهل عليهم مهمة توظيفه في الأنشطة اليومية، لذلك يسهل تجنيدهم في منظمات الإرهاب إذا توافرت بعض العوامل الأخرى.
ويقول د. الحبيب: هناك ثقافة خاصة اعتاد عليها المجتمع لها أبعادها الاجتماعية مثل التعصب الفكري وعدم تقبل الرأي الآخر، والسؤال هنا: كيف نستطيع القضاء على هذه الثقافة والخروج بحلول إيجابية.
وللإجابة على هذا السؤال نعود إلى الخصائص الاجتماعية حيث نجد في بعض الأحيان أن التنشئة الاجتماعية والأسرية تبنى على التركيز على الحقد على الآخرين والكراهية والانتقام وعلى الجانب المظلم من الطرف الآخر خصماً كان أو عدواً من أفراد أو أسراً ومجتمعات أو دولا. مثل ما يتبادر لبعضنا من مشاعر نحو الغرب المتمثلة بالكراهية رغم أن الحضارة المدنية من صناعية وعلمية وخلافها، في هذا العالم قائمة على أسس التربية فالتركيز على الحقد وثقافة الشتم قد يتأصل في ذات المجتمع والفرد وتصبح من أنماطه المعتادة في التعامل.
ومن ناحية أخرى، تعد الطفرات الاجتماعية أحد بواعث العنف عبر التغيرات التي يتسم على أثرها هدم بعض جوانب المجتمع القديم وبناء مجتمع جديد وما يتضمنه من توترات قيمية وسلوكية تنجم عن زيادة الحراك الجغرافي الاجتماعي والمهني لقطاعات واسعة من المواطنين، هذا إلى جانب زيادة تعرضهم للمؤثرات الحديثة كأجهزة الإعلام والاتصال وخلافها.
ويمكن التصور أن المجتمعات الأبوية المفتقرة لرحابة النقاش ومداولة الفكر وقنوات الحوار تنتج فكراً ضحلاً متعصباً قد يكون أرضية للعنف ومهداً مناسباً لبذوره فنجد الأب متعسفاً في قراراته والمدرس مستبداً برأيه والأفكار أحادية النظرة.. هنا تتأسس في عقول الأبناء اللبنة الأولى للتعصب، مما قد يستعصي إزالته مستقبلاً.
* وفي إجابته عن السؤال كيف لنا الخروج من هذه الدائرة المظلمة؟، يقول د. الحبيب:
- هذا السؤال عريض ومعقد يستدعي أسئلة أخرى ولحالات عديدة وإجابات مفتوحة ومن ثم لا يمكن في هذه العجالة طرح الحلول المقترحة، بل التلميح لأهمها. ويأتي في المقام الأول ما أسميه التأسيس المعرفي لمفاهيم الحوار التعددي وتكريس للذهنية الموضوعية ذات المنهج العلمي حيث تكون المعلومات موثقة والحقائق مادية وبذلك نبعد عن العقلية المبنية على أوهام وعواطف أو تحليلات غير مبنية على حقائق.
ويضيف: ومن جملة مواجهة التطرف، يكثر هذه الأيام في بلادنا التطرف لإصلاح المناهج وتطويرها، وفي تقديري أن هذا رغم أهميته الملحة فإنه لوحده لا يكفي لتهيئة مناخ تعليمي أفضل، بل ينبغي أيضاً مراجعة أداء المعلمين، فبعض المدرسين يُصر على إقحام أفكاره المتطرفة وتأويلاته السياسية العنيفة في عقول الطلاب.
- كما أن الأنظمة التربوية والأنشطة تحتاج متابعة كذلك المراكز الصيفية وقد ذكر لي أحد التربويين أنه يحدث أحياناً من القيم الإسلامية العظيمة التي نص عليها النظام كأداء الشعائر الدينية ومعاملة الأصدقاء والخصوم يتم تغيرها مقابل التركيز على جوانب معينة من الدين كالجهاد والولاء والبراء وكأن الطلبة ذاهبون إلى معركة، بل قد يتم حقن الطلاب بأفكار خلافية أو مشبوهة بطريقة عمياء ودون نقاش.
- وفي هذا السياق لابد من مراجعة أداء عمل بعض المؤسسات التربوية والدعوية والإعلامية وطريقة ترويجها لخطابها الديني المتطرف خاصة في ظل غياب الثقافة المنهجية والإبداع الثقافي والأدبي، فنحن في أمس الحاجة إلى البدء من الداخل وممارسة نقد الذات ونطرح السؤال الهام لماذا يكرهنا الآخرون، لأن هذا السؤال يهيئ لإجابة تبريرية، كإعلان براءة ذاتية واتهام الآخرين بالجهل أو بالشر - ثم إنني أؤكد على أن الأجهزة الأمنية غير كافية لمكافحة هذا الإرهاب فمسؤولية مواجهة العنف مسؤولية الجميع، كما نحتاج إلى المصارحة والمكاشفة والنقد الذاتي لمؤسساتنا وتحليل الأسس التي يقوم عليها الإرهاب للخروج من دائرة العنف.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved