كلنا نعرف أن الأمور التي جدَّت في هذا العصر كثيرة، فالتطور الذي قفز بالبشر قفزاتٍ هائلة علمياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، جلب معه تطوّراً هائلاً -أيضاً- في القضايا والمشكلات، والأحداث، والمواقف الخاصة والعامة، وتطوُّراً هائلاً في أسباب ودوافع القضايا والجرائم التي تُعرض على الناس صباح مساء من خلال النوافذ الإعلامية المشرعة التي تكشف المخبوء، وتُشيع الخاص، وتذيع المستور.
ومعنى ذلك أنَّ طرق المعالجة، والمتابعة، لما جَدَّ من الأحداث والقضايا تحتاج إلى تجديدٍ يواكب، ويستفيد من الوسائل الحديثة التي تسهِّل على المسؤولين والقضاء المتابعة، ومعرفة الأسباب وطرق العلاج.
ونحن -المسلمين- نشكر الله عز وجلَّ على ما منَّ به علينا من تمام نعمته، وكمال شرعه، وشمولية مبادئ شريعته الخالدة، لسنا بحاجة إلى اجتهادات بشرية يجوز عليها الخطأ والصواب فيما يتعلق بأصول شريعتنا وأسسها الكاملة الثابتة.. ولكنَّنا لا نستغني عن الإفادة من كل وسيلةٍ حديثة يمكن أن تقرِّب البعيد، وتسهِّل الوصول إلى المعلومة المفيدة في الحكم القضائي.
كنت أتصفح بعض ما نُشر عن دورة (مكافحة غسيل الأموال والجرائم الاقتصادية) التي أقيمت في المعهد المصرفي التابع لمؤسسية النقد العربي السعودي بالتعاون مع وزارة العدل، وهي دورةٌ مكثَّفة تهدف إلى تعريف من يحضرها من القضاء على أحدث الوسائل التي يمكن أن تُسهم في كشف أساليب غسيل الأموال وغيرها من الجرائم الاقتصادية التي تحدث في العالم، من تزوير، وتمويه، وأساليب اختلاس، وألاعيب البيع والشراء، وأكاذيب بيع ما يحرم بيعه من المخدرات، وتجارة الجنس وغيرها، وقد سرَّني عقد مثل هذه الدورة التي تزوِّد القضاة بما يحتاجون إليه حتماً في عملهم من معلومات تعينهم على إصدار الأحكام الصائبة التي تبرأ بها الذمَّة -إن شاء الله-.
إنَّ القاضي الذي تعدَّد مصادر معرفته في مجال عمله يكون أقدر على معرفة أبعاد القضية التي تعرض عليه، وعلى التعامل معها بإدراكٍ يعين إلى إثبات الحقِّ لأهله، وردع الجاهل عن جهله.
إنَّ من يقرأ سيرة بعض مشاهير القضاة في تاريخنا كالقاضي إياس بن معاوية رحمه الله، يدرك أنَّ ذكاء القاضي وحده ليس هو السبب في معرفته بالقضايا، وحسن المعالجة، وإنما يشترك في ذلك وعيه بما يدور حوله، ومعرفته بحيل بعض الناس، وأساليبهم المختلفة في التلبيس والتمويه، وقلب الحقائق للوصول إلى ما يريدون.
لا شك لدينا في الفائدة الجليلة التي سيخرج بها القضاة المشاركون في هذه الدورة من حيث اطلاعهم على مالم يطلعوا عليه في موضوع الدورة مما يجري في أنحاء العالم، وإننا لنأمل أن تتكرَّر هذه الدورات في مجالات متعدِّدة يستفيد منها القضاة في معالجة ما يجدّ من القضايا ما لم يكن له وجود في مجتمعاتنا سابقاً، وما أكثرها!.
إشارة:
نحن في عالمٍ غدا مثل سجنٍ
تاه فيه السجين والسجَّانُ |
|