Saturday 31th July,200411629العددالسبت 14 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
الكتابة للتلفزيون
عبد الله بن بخيت

لكي تبدأ الكتابة للتلفزيون عليك أن تطور تصوراً واضحاً عن مفهوم القصة التلفزيونية. فإذا كنت تكتب قصصاً أو روايات فالأمر سيكون صعباً في البداية، لأنك ستدخل في مفهوم جديد من الكتابة.، فكلمة كتابة هنا قد تخدع بعض الشيء. عندما تكتب قصة أو رواية فأنت في الواقع تكتب بالكلمات والجمل أي أن اللغة تسهم بدور أساسي في نشاطك بل هي البطل الحقيقي في النص. فالكلمات والجمل واللغة عوامل محورية يتقرر جمال وجودة العمل بناء عليها، بينما في الكتابة للتلفزيون أنت تؤلف مشاهد وصوراً وحوارات لا تحتاج من اللغة الأدبية إلا أقلها وقد لا تحتاج للغة الشعرية على الإطلاق. فعملك في الرواية عمل لغوي بينما في التلفزيون عمل بصري. فكاتب القصة أو الرواية يجب أن يكون متمكناً من اللغة (نحواً وصرفاً وبناءً الخ) وأن تتوفر لديه ثروة لغوية كبيرة. بينما لا تحتاج الكتابة للتلفزيون من اللغة إلا بمقدار ما تصف به مشاهدك. المهم أن تكون قادراً على توصيل صورة المشاهد والحوارات إلى قرائك المحدودين وهم -كما ذكرنا- المخرج والمنتج والممثل والفنيون. بعد هؤلاء لا وجود للغة فيما تكتبه. (كأنك توصف لأحد مكاناً أو حادثة). إمعاناً في الحالة الصورية كثيراً ما يقوم المخرج بوضع رسم سكتش للمشهد. إذاً لا تنخدع بكلمة (كتابة) فأنت لست كاتباً بالمعنى الدقيق للكلمة، الذي يجعلك قريباً من كاتب القصة والرواية هو الطابع الدرامي المشترك بين العمل التلفزيوني وبين العمل القصصي. وفي هذا فأنت تشترك مع كاتب المسرح والحكواتي وعازف الربابة وغيرهم ممن يقصون القصص. ولكن الذي يخلط الأمر في الأذهان هو ما أننا نسمع أن كثيراً من كتاب القصة يتحولون إلى كتابة السيناريو. فكتاب كبار مثل ماركيز ونجيب محفوظ وهمنجواي وغيرهم امتهنوا كتابة السيناريو لأسباب إبداعية وغالباً لأسباب مادية.
ولكي تتضح صورة الفرق بين الكتابة للتلفزيون والكتابة القصصية سنأخذ المثال التالي:
يقول الكاتب الكولمبي غارسيا ماركيز في مستهل إحدى رواياته: (انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي وحركت برفيف أجنحتها الزمن الراكد منذ قرون)..
هذا المشهد الروائي الرائع المشحون بالدلالات الجمالية والمعاني يتحول في السيناريو إلى مجرد مخطط عام لا يمتع القارئ ولا يثير فيه أي مشاعر جمالية.
لاحظ كيف سيكون لو تحول إلى سيناريو:
مشهد:
نهار خارجي نظرة بانورامية على قصر كبير من مخلفات العصور الاستعمارية الإسبانية.
مجموعة كبيرة من العقبان تحلق في السماء ثم تنقض على القصر وتحطم النوافذ: بعضها ينفذ إلى داخل القصر وبعضها يتهاوى على الأرض من شدة الارتطام).
لاحظ كيف اختفى جمال التعبير تماماً وخاصة قول الكاتب (حركت برفيف أجنحتها الزمن الراكد منذ قرون) هذا التعبير الرائع تحول إلى كلمة تاريخية (القصور الإسبانية).
كاتب السيناريو لا يولي البعد الجمالي أو الأسطوري أو الغموض الفني أي اهتمام لأن هذا من اختصاص المخرج.فالمخرج هو الذي يأخذ المشهد ويعيد إليه هيبته الجمالية التي وردت في الرواية. فهو الذي سوف يستخدم الكاميرا من زوايا متعددة والمؤثرات الصوتية والبصرية وغيرها من الأدوات لخلق مشهد يليق بالنص الأصلي. أما كاتب السيناريو فلن يتعدى كثيرا ما قلناه.
على فكرة هذا هو السبب الذي جعل كاتب السيناريو في آخر الصفوف بالنسبة للعاملين في السينما والتلفزيون. خذ هوليوود وهي أكبر مكان لإنتاج الأعمال السينمائية والتلفزيونية: اشتهر فيها ممثلون ومخرجون وحتى منتجون ولكن من النادر أن نسمع باسم كاتب سيناريو واحد.
أرجو ألا يوحي كلامي هذا أن كاتب السيناريو لا علاقة له بالإبداع. لم ارم إلى هذا أبداً كل ما أحببت إيضاحه هو الفرق بين كاتب القصة وكاتب السيناريو في مجال الكتابة وليس في مجال الإبداع. فالاختلاف بينهما يكمن في الأداة وطبيعة الجمل المستخدمة. فإذا كانت جملة القصة تتكون من رص الكلمات مع بعضها بعض واحتكاك هذه الكلمات في داخل الجملة يولد شرارة المعنى والجمال فإن جملة السيناريو هي المشهد ومكوناته من حوار ووصف ومعلومات وتوجيه وليست طريقته في القول. من الصعب أن تلمس أي عملية إبداعية من طريقة قول المشهد فالعملية الإبداعية تأتي في مرحلة تالية في بناء المشاهد مع بعضها البعض وفي تنامي العملية الدرامية.

نكمل بعد غد


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved