(أنا لا أرسم ما أراه، بل أرسم ما أفكر به، وما أحسه.. الرسم عندي يجب أن يكون له علاقة بالآخرين، ففي كل لون نختاره، نكتشف من خلاله شخصا أو طبيعة أو قضية..) بهذه الكلمات المعبرة للرسام العالمي بابلو بيكاسو جاءت مقدمة كتاب: بيكاسو على مدى الأيام، للمؤلف باسكال لو ثوريل دافيتش الذي حاول القاء الضوء على سيرة الرسام العالمي المثير للجدل.
يقول المؤلف: حين تقترب من القصر الممتد على مسافة كبيرة من تلك المدينة الخضراء الهادئة، مدينة إيكسون بروفانس بالجنوب الفرنسي، تكتشف أن سكانها يقودونك مباشرة إلى بيت بيكاسو الذي عاش فيه سنوات طويلة، حتى وفاته. لهذا تكتشف فجأة أن لتلك المدينة خاصية مميزة، وأن اختيار الفنان العالمي بابلو بيكاسو الإقامة فيها لم يكن من فراغ، لا لشيء سوى لأنها المدينة الأقرب طبيعيا من مدينته الأم ملقا الإسبانية ذات الجذور الأندلسية العربية.
ولد بابلو رويز بيكاسو في 25 أكتوبر من عام 1881و كان والده مدرسا للرسم، ربما لهذا وجد بابلو نفسه منذ سن 8 أعوام، مأخوذا بعالم الألوان والريشة. كان والده رويز مدرسا ذا موهبة مدهشة لم يستغلها خارج تلك الدروس التطبيقية التي كان يقدمها لتلامذته جيلا بعد جيل، لهذا كانت مهمته الكبرى تكمن في تلميذه بابلو الذي لم يكن يعتبره ابنه فقط، بل تلميذا رأى في حبه للفن حافزا كي يشجعه عليه، كي يملأ روحه به، لأجل ان يعوض خسارته الخاصة كأب لم يكن أكثر من مدرس رسم فقط.
في الـ16 من العمر سافر بابلو بيكاسو الى فرنسا التي كانت تعيش في بداية القرن التاسع عشر حركات ثقافية مهمة استطاعت ان تفتح عبرها البوابة الأوربية الى الفكر المختلف، والى الإبداع المختلف أيضا. فقد وجد بابلو بيكاسو باريس بمثابة المدينة التي تختلف جذريا عن ملقا، ولكنها أعطته الكثير من الفرص، ربما لأنه تعلم أفضل ما لديه فيها، كما قال بيكاسو في احد حواراته. لكن فرنسا في النهاية لم تعطه ذلك الاختلاف الحقيقي الذي كان ينقصه، حتى وهو في العشرين من العمر ليصبح اسمه معروفا، ولوحاته تباع بشكل لافت للانتباه. كان يبحث في النهاية عن ذلك الاختلاف الذي يصنع منه فنانا الى الأبد، بموجب قيم حقيقية يجب أن يدافع عنها كالحرية، التي تعني حرية الإنسان من مستعمريه ومن جلاديه. دخول العالم في جملة من الصراعات الكبيرة، كان بمثابة الامتحان المطلق الذي ظل بابلو بيكاسو يركض خلفه. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتهاء الحرب الأهلية الإسبانية، بدأ العالم يدخل في حروب استعمارية أخرى كان المثقف الحر يرفضها. في الخمسينيات، ارتبط اسم بيكاسو بمواقفه من الثورة الجزائرية التي اعتبرها ثورة إنسانية لرفض الاستعمار وكانت لوحته جميلة تعبيرا صارخا عن موقفه من قضية الجزائر التي جسدها على شكل لوحة تشكيلية للمناضلة الجزائرية جميلة بوحريد عام (1958)، وكان موقفه الآخر من القضية الفلسطينية لا يقل قوة عن موقفه من الثورة الجزائرية، ففي عام 1969، في حوار مع التلفزيون الفرنسي، عبر بابلو بيكاسو عن استيائه للوضع القائم في الشرق الأوسط بعد هزيمة 1967. كان يتكلم عن حق الفلسطينيين في أرضهم بعبارة لا يمكن لأحد أن يبني أرضه على أرض غيره، فجريمة الاختلاس تعد مزدوجة لأنها تسرق الأرض والأحلام معا. ثم جاءت لوحته الحرية لتقول بصريح العبارة ان النضال الفلسطيني هو الذي سيغرس شجر الزيتون على الأرض الفلسطينية. الى الآن ما زال الإسرائيليون يعتبرون بابلو بيكاسو رساما فاشلا ممنوعة رسوماته في المدارس الإسرائيلية مند عام 1970، و هي السنة التي أعلن فيها بيكاسو عن خجله من ممارسات اليهود ضد الإنسان في كل مكان. بتاريخ 8 أبريل 1973 توفي بيكاسو، حيث دفن في بيته بمدينة ايكسون بروفانس في الجنوب الفرنسي. لبيكاسو الفضل في العديد من المدارس التي صارت معترفا بها اليوم في كليات الفنون الجميلة في العالم، كما ان مراحله الأهم تكمن في:
1- المرحلة الزرقاء التي ركز فيها الرسام على اللون الأزرق منذ وفاة صديق طفولته في حادثة انتحار.
2- مرحلة الألوان الغامقة والمدرجة والتي كانت تعكس حالته النفسية وحنينه الى وطنه الأم، بالذات الى مدينته الأندلسية.
3- المرحلة الوردية والتي شكلت مرحلة مهمة من حياته، ربما لارتباطها بنفسيته وببحثه عن الحب الحقيقي والأبدي.
4- المرحلة التكعيبية: وهي التي سمحت لبابلو بيكاسو بالدخول الى الأسلوب الحديث في التعبير، من خلال العديد من اللوحات أهمها آنسات أفينيون.
5- الكلاسيكية: التي أعادت بيكاسو الى الألوان الهادئة والعميقة في الوقت نفسه..
6- ثم المرحلة التي يطلق عليها اليوم اسم جرنيكا التي كانت من المراحل المرتبطة في حياة الفنان بالقضايا الإنسانية، وبالنضال العالمي ضد الاستعمار، فقد كانت لوحته جرنيكا صورة مختلطة لكل النزاعات ورؤية ضوئية مبهرة.
الكتاب:Picasso au fil des jours
المؤلف:Pascale le Thorel-Davitc
الناشر:Buchet & Chastel |