كل من إدارة الرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وجورج بوش فشلتا في إدراك التهديد الذي كان يمثله تنظيم القاعدة قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م. وتركت جهود مكافحة الإرهاب بدون تنسيق كاف وبدون تمويل مناسب وجعلت الهيئات الحكومية الأمريكية العاملة في هذا المجال عاجزة.
هذا ما أكدته لجنة التحقيق التي شكلها الكونجرس لمراجعة كل ما أحاط بهذه الهجمات وما قامت به الإدارتان الأمريكيتان في مواجهة تنظيم القاعدة في تقريرها النهائي.
وأضافت اللجنة في تقريرها (كان هناك قصور في الخيال في مختلف أجهزة الإدارة الأمريكية وكان هناك فشل في السياسة والإدارة وقصور في القدرات). ووجه التقرير انتقادات حادة للطريقة التي كانت أجهزة المخابرات الأمريكية وأجهزة الأمن وأفرع القوات المسلحة تعمل بها قبل الهجمات. ومن بين النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق وأبرزتها في تقريرها بصورة مؤلمة وكانت حاسمة في تقييمها لها أن كبار المسؤولين في كل من إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون والحالي جورج بوش تلقوا تحذيرات عديدة بشأن نوايا أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، ولكنهم فشلوا في التعامل مع هذه التحذيرات بشعور قوي بالأمن القومي.
وقال التقرير: (لم يكن الإرهاب يأتي في مقدمة اهتمامات الأمن القومي الأمريكي للحكومة الأمريكية في عهد الرئيس كلينتون ولا قبل هجمات سبتمبر في عهد الرئيس بوش).
وعلى عكس أغلب التقارير الحكومية والرسمية، فإن نتائج لجنة التحقيق تلك عرضت في قالب روائي وحمل كل فصل عنوان رئيسي (كانت لدينا بعض الخطط) و(النظام كان يطلق ومضات تحذير). وبلغة تشبه أحيانا لغة السرد القصصي فإن التقرير رسم صورة لكيفية صعود أسامة بن لادن كزعيم إرهابي عالمي ومدى بطء إدارة الرئيس بيل كلينتون ومن بعدها إدارة الرئيس بوش في إدراك مدى خطورة الشبكة الإرهابية التي يمثلها بن لادن.
كما يقدم التقرير التفاصيل الموثقة للكيفية التي وضع بها تنظيم القاعدة المؤامرة ونجاحه رغم العقبات التي واجهته في المضي قدماً بها وصولاً إلى لحظة التنفيذ عندما اختطفت أربع طائرات مدنية أمريكية واستخدمت لمهاجمة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في واشنطن قبل أن تسقط الأخيرة في ولاية بنسلفانيا وذلك في وقت متزامن تقريباً.
في ذلك الوقت كان خبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيين الذين يناقشون استراتيجية قومية لمكافحة الإرهاب وتحديد الوكالات المسؤولة عن حماية الأمن القومي الأمريكي لا يعلمون أي شيء. ورغم أن الكثير من النتائج التي وردت في التقرير سبق أن توصلت إليها لجنة التحقيق التي شكلتها لجنتا المخابرات والأمن القومي في الكونجرس الأمريكي فإن الجديد في التقرير الجديد هو التفاصيل المثيرة بشأن الكيفية التي حاول بها المختطفون السيطرة على الرحلة رقم 93 المختطفة. والحقيقة أن التقرير لم يشر بوضوح إلى أنه كان في الإمكان منع وقوع هذه الهجمات.
وفي ملخص للتقرير، كتب أعضاء اللجنة يقولون: (نظراً لأن مدبري ومنفذي هجمات سبتمبر كانوا يتمتعون بمرونة وسعة حيلة كبيرتين فإننا لا نعرف ما إذا كانت خطوة محددة أو سلسلة من الخطوات من جانب الحكومة الأمريكية في الفترة من 1998 إلى 2001 كان يمكنها إفساد أو حتى تأخير تنفيذ مؤامرة القاعدة). ويقول التقرير إن كبار المسؤولين في كل من إدارة الرئيس كلينتون والرئيس بوش نظروا إلى غزو أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أنه (غير وارد). وقد ظلت هذه الرؤية قائمة على تصور حالة من توازن القوى بين أمريكا والقاعدة وأفغانستان حتى وقعت الهجمات.
في مذكرة داخلية في الرابع من سبتمبر 2001 شكا ريتشارد كلارك الذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس بوش لمكافحة الإرهاب مما اعتبره جمود وتردد من جانب وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) وتساءل (هل نحن جادون في التعامل مع التهديد الذي تمثله القاعدة. . وهل نعتبرها تهديداً كبيراً؟!) وفي النهاية لم يتوصل أعضاء اللجنة إلى حكم قاطع بشأن ما إذا كان كلينتون أو بوش يتحملان قدراً أكبر من المسؤولية بسبب خطأ أو عجز.
ويظهر التقرير الرئيس كلينتون باعتباره أفضل من بوش سواء فيما يتعلق بمدى معرفته بحقيقة الخطر الذي كان تنظيم القاعدة يمثله أو فيما يتعلق بتحركه المستمر لمواجهة هذا التهديد. فقد كان الرئيس كلينتون ومستشاره للأمن القومي صامويل بيرجر يتلقيان تقارير يومية عن آخر الأماكن التي يتواجد بها أسامة بن لادن. ولكن أيا من الإدارتين الأمريكيتين لم تنل مديحاً كبيراً من اللجنة. فوفقاً للتقرير فإن كلا من الرئيس كلينتون وخلفه بوش ومستشاريهما قالوا خلال اللقاءات التي عقدتها معهم لجنة التحقيق (إنهم كانوا يدركون أن بن لادن خطر). ولكن التقرير يقول إنه (في ضوء طبيعة ومسار جهودهم السياسية، لا نعتقد أنهم كانوا يدركون كم من الأشخاص يمكن لتنظيم القاعدة قتلهم في عملية واحدة أو حتى الوقت الذي يحتاجه هذا التنظيم) لتنفيذ ضربته الدامية. والحقيقة أن هناك أجزاء مختلفة من هذا التقرير تقدم نتائج متناقضة بشأن تعامل مستشاري الأمن القومي في إدارتي كلينتون وبوش. فالتقرير يشير إلى كيفية اتخاذ صامويل بيرجر مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون زمام المبادرة في ديسمبر عام 1999وحشد مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيره من أجهزة الأمن الداخلي الأمريكية لمواجهة ما سميت مؤامرة الألفية وهو ما ساعد على إحباط مؤامرة لمهاجمة أهداف أمريكية في الأردن ولوس أنجلوس.
في المقابل فإن التقرير يرى أن كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش ونائبها ستيفن هادلي لم يعيرا التنسيق بين أجهزة الأمن الداخلي الأمريكية أي اهتمام ولم يعتبرا ذلك جزءاً من مسؤوليتهما بعد تولي منصبيهما عام 2001 حتى بعد تزايد التحذيرات من تعرض أمريكا لهجمات إرهابية.
وقال التقرير عن البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش وقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (لم تحشد أجهزة الأمن الداخلية الأمريكية رداً على أي تهديد إرهابي. كما أن هذه الأجهزة لم يكن لها أي اتجاه ولم يكن لديها أي خطة للتحرك).
وانتهى التقرير إلى أنه لا يوجد أي دليل على قيام المملكة العربية السعودية ولا العراق ولا إيران بتقديم أي دعم مالي أو عملياتي لتنظيم القاعدة فيما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
وأشار التقرير إلى أن السهو والأخطاء والعجز البيروقراطي كانت السمات المشتركة بين كل الوكالات الأمنية الأمريكية التي راجعت اللجنة أعمالها. وأن هذه العناصر هي التي عرقلت أي تحرك حكومي منتظر لمواجهة خطر القاعدة قبل هجمات سبتمبر.
ورغم ذلك فإن اللجنة لم توجه اتهامات أو تحدد أخطاء محددة بالنسبة لأشخاص محددين. فالقوات الأمريكية لم يكن لديها أي خطط حقيقية لهزيمة أسامة بن لادن أو اعتقاله أو قتله هو أو كبار مساعديه. كما فشلت الجهود الدبلوماسية الأمريكية في إبعاد أسامة بن لادن عن أفغانستان. كما فشلت سلطات الحدود الأمريكية في معرفة جوازات السفر المزورة التي استخدمها منفذو الهجمات في الدخول أو الخروج من أمريكا كما لم تكتشف السلطات التلاعب في جوازات سفر أخرى.
كما فشل مسؤولو الأمن الجوي في توسيع قائمة الأشخاص غير المسموح لهم بركوب طائرات أو بالخضوع لتفتيش دقيق في حالة السفر الجوي. كما فشلت وكالة المخابرات المركزية التي تستجيب للأولويات المتزايدة بسرعة وكذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يتحرك في حالة وجود قضية فقط في تبادل المعلومات بينهما.
وفي بعض الحالات فشل الجهازان في القيام بمبادرات مهمة. كما تم استبعاد سلطات الهجرة والطيران المدني من التحركات الهادفة لمواجهة التهديدات الإرهابية في أغلب الأحوال. ووصف التقرير الاستجابة الطارئة لهجمات سبتمبر من جانب الأجهزة الفيدرالية أو أجهزة الولايات أو حتى المدن بأنها كانت (ارتجالية وغير فعالة رغم وجود بعض الأعمال البطولية التي أنقذت أرواح عدد لا يحصى من الأشخاص).
وقال توماس كين رئيس اللجنة (فشلنا حدث على مدى سنوات طويلة وإدارات عديدة.. ولا يوجد شخص واحد يمكن تحميله مسؤولية فشلنا. ورغم ذلك فإنه لا يمكن إعفاء الأشخاص والمؤسسات من المسؤولية. فأي شخص تواجد في منصب رفيع في ذلك الوقت يتحمل جزءاً من المسؤولية عن تصرفات حكوماتنا).
وكشفت التحقيقات عن عجز أجهزة المخابرات الأمريكية في تطوير الأساليب والوسائل الكفيلة بالتعامل مع خطر القاعدة. ويرى التقرير على وجه التحديد أن هذه الأجهزة استمرت وعلى مدى سنوات عديدة سابقة على هجمات سبتمبر تتعامل مع المشكلة التي يمثلها تنظيم القاعدة بوسائل وأساليب غير مناسبة وغير فعالة وهي أساليب ووسائل ظهرت أساساً لمواجهة تهديد الاتحاد السوفيتي خلال سنوات الحرب الباردة. وأشار التقرير إلى وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) التي كانت خط المواجهة الأول في الحرب ضد الإرهاب. وقال إن هذه الوكالة لم تفعل الكثير لمهاجمة تنظيم القاعدة قبل أن يشن هجماته هو في الحادي عشر من سبتمبر. ولكن التقرير يصف تعامل الوكالات المخابراتية الأمريكية الأخرى مع تنظيم القاعدة بأنه كان تعاملاً عاجزاً وغير فعال بسبب نقص الموارد وتضارب الأولويات والصراعات الداخلية لهذه الوكالات. وأشار التقرير إلى أنه منذ عام 1995 لم تقدم وكالات المخابرات الأمريكية أي (تقييم مخابراتي قومي) بشأن تنظيم القاعدة. والتقييم المخابراتي القومي هو تقرير سنوي يقدم خلاصة تقارير ومعلومات وكالات المخابرات الأمريكية المختلفة بشأن التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة. وحتى في صيف عام 2001 وقبل شهور قليلة من تنفيذ هجمات سبتمبر كان إدراك خبراء مكافحة الإرهاب للخطر المتزايد للقاعدة بطيئاً.
وأشارت لجنة التحقيق إلى أن كلاً من إدارتي الرئيس كلينتون وخلفه بوش قبل هجمات سبتمبر حصرتا دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مواجهة مخططات تنظيم القاعدة في الخارج وعبر وكلاء عن هذه المخابرات في دول العالم. كما كانت الجهود تهدف إلى اعتقال بن لادن وكبار مساعديه وليس قتله. وأشار التقرير إلى أن فشل هذه الجهود أصاب المسؤولين في مركز مكافحة الإرهاب التابع للمخابرات المركزية وأعضاء مجلس الأمن القومي بالإحباط. وقد اعترف مسؤولون كبار في وكالة المخابرات المركزية بأن جهودهم قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 عانت من ثغرات عديدة. ولكنهم قالوا إن اللجنة بخست الوكالة حقها فيما يتعلق بالتحذيرات التي قدمتها الوكالة لصناع القرار السياسي في واشنطن بشأن المخاطر الإرهابية. كما بخستها حقها فيما يتعلق بتبادل المعلومات مع أجهزة الأمن والمخابرات الأمريكية الأخرى بشأن التهديدات الإرهابية.
الكتاب :The 9/11 Commission Report: Final Report of the National Commission on Terrorist Attacks Upon the United States
تأليف :National Commission on Terrorist Attacks
الناشر: W.W.Norton & Company; 2004 |