Saturday 31th July,200411629العددالسبت 14 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

إلى الأمير خالد الفيصل إلى الأمير خالد الفيصل
النوم في العسل.. والحبة السوداء غيّبت البسمة!!
محمد بن ناصر الأسمري*

مثلما هو الإحساس لدى الأمير خالد الفيصل بشرف الانتساب للإسلام فهو شرف تدعيه كل جحافل النساء والرجال في ارض الحرمين قبلة الأمة واستقبالها منذ أن اختار الله جلّ وعلا رسوله محمداً بن عبدالله إماماً لدعوة التوحيد الخالدة التالدة التي لا تبلى ولا تحتاج الى مجدد! وكان توفيق الله جلّ وعلا أن استجاب لدعوة رسوله أن يخرج الله من أصلاب العرب المعاندين المعارضين لدعوة التوحيد من يحملون الرسالة للناس، رسالة بلاغ واقناع لا ترويع ولا اقتلاع. الحمد لله أن كانت جحافل الحملة للرسالة قد سارت في الآفاق تحمل مشاعل الضياء والتنوير للخروج بالناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، وبحمد الله فما زالت بلاد الإسلام من مكة المكرمة وطيبة الطيبة وصنعاء والقاهرة وبغداد ودمشق ومراكش وطهران والقيروان والجزائر وجاكرتا وبلاد الهند والسند تمارس الإسلام عقيدة وعبادة. ومن صنائع المعروف أن تمكن الطلاب والطالبات في بعثاتهم لطلب العلم في الغرب منذ قرنين أن يسهموا في حمل الرسالة وان يقتنع ملايين من الناس في العالم بالتحول الى الإسلام. دين الإسلام، دين منذ خمسة عشر قرناً ما عابه تطرف بعض الغلاة والمتاجرين المستغفلين للمسلمين بممارسة طقوس كهنوتية تحيل الأمر الى جباية أموال كرامة لأموات جعلت لهم قداسة وصنمية تجافي طبع الإنسان في عدم الخضوع والعبادة إلا لخالقه.
شكراً للأمير خالد الذي كتب مقالة جميلة في صحيفة الوطن منذ بضعة أسابيع، وفي تلك المقالة يبدو انه قد وجد بعد ثلث قرن أن الابتسامة قد غُيّبت، ولا اعلم لِمَ استخدم الفعل مبنياً للمجهول، مع أن الفاعل ما كان مجهولاً والمفعول به ما كان يحتاج الى نائب فاعل؟ كيف غاب عنك يا أمير أن تعرف أن الابتسامة هي مصدر بهجة أو استهجان، الأولى متلونة بألوان الطيف والأزهار، أما الأخرى فهي صفراء مثل مرض السل؟
وما كل ابتسامة هي انفراج الشفاة، بل البسمة هي في العيون فرح وعلى المحيا إشراق وفي القلب نبض فرح وشعور بالرضا، عفواً يا أمير كأني جالب- أبيع التمر في هجر معك؟؟
النوم في العسل، تعبير شعبي في مضمونه ومعناه ومبناه، الطمأنينة والأمان، سواء أكان الحال شهر عسل يبنى فيه بالحليلة، أو الثقة بصلاح الأحوال والأقوال، اعتماداً على الثقة لا على الكفاءة. وهذا ما حصل لبلادنا منذ اختطاف التعليم والوعظ والإرشاد والإعلام وتغليب ثقافة الشريط على الكتاب والفكر المثري بالنقاش والحوار، شكّلت فرق في وزارة التربية والتعليم يوم كانت للمعارف ووجدت (اسر) لتأليف فأخرجت لنا مناهج غير التي درسناها وإياك يا خالد ومن لحق من الأجيال قبل مناهج الأسر التعليمية، ثم برزت جماعات الادعاء بالدعوة، لمن؟؟ لمجتمع الرسالة الذي يحتاج الى الوعظ والإرشاد والنصح والتوجيه والتذكير، أما الدعوة فهي لجلب أناس على غير ديننا عسى الله أن يأتي بهم.. هذا الغرس اخرج لنا من الأصلاب أناساً مارسوا الظلم والتخويف في المدارس والمساجد والأسواق والمشافي والمطاعم والمصايف والجامعات والمساكن بل والمعسكرات!! والظلم يا أمير ليس هو نقيض العدل فقط، لكنه ظلمات ترهق وتزهق النفس المطمئنة، وهذا يحيل العمل الى الارتباك والتراجع، ليس بسبب خلل في النظام ولا الانتظام بل بسبب القبض على الدين، كما القبض على الجمر، فقد نشأ الناس وهم أهل صلاة وصلاح وفقه وعبادة وعمل، ولم يطرأ ما يعكر صفو الحياة، لقد انجب لنا هذا النهج عقيدة التشكيك في العقيدة واصبحنا نسمع صبية من البنين والبنات يسمون فلاناً انه مشكوك في عقيدته، وهي اعتقاد في القلب لا يعلمها إلا الله جلّ وعلا.
أفلا يخاف الإنسان هنا على أعلى واغلى القيم والمثل التي يفاخر بها الناس؟؟ بكل أسى وألم لقد مورس هذا الظلم والترهيب على بقية العالم الإسلامي، وباتت الرحلات الدعوية تشكيك الناس في عقائدهم وهم أهل سنة وجمعة وجماعة ولذلك نشأت ثقافة الكراهية لنا في كل أقطار العالم، ولولا محج المسلمين إلى بلادنا لكنا في عداد المنبوذين!! ألا نتذكر موقف الرئيس البوسني علي عزت بوجوفتش -رحمه الله- الذي منع دخول الدعاة من بلادنا الى بلاده؟؟ لقد شاعت ثقافة الكراهية أيضاً في مجتمعنا بسبب طعن الناس في أغلى ما يملكون وهو الاعتقاد بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد بن عبدالله إماماً ورسولاً!!
من اجل هذا يا أمير تبدّل حال النوم في العسل الى كابوس مظلم لا يزيله إلا الغسل والتطهير. لقد كان العسل ولا يزال فيه شفاء للناس، لكنه ليس شفاء لكل شيء، فقد خالطته حبوب سوداء، وكان من نتيجة هذا الاختلاط أن نشأ الفساد وتعاظم السقم.
كان العسل من رحيق الأزهار يخرج من بطون النحل شراباً مختلف الالوان نقياً شافياً، لكن المتاجرين خلطوا عملاً صالحاً بغيره، فجلبوا السكر، فتغير العسل الى بصل، بل لقد مارس جناة العسل طرد النحل برش المبيدات لابعاد النحل من اجل اخذ العسل، فمات النحل وتلوثت الأزهار فخرج عسل اسود لم تعد تنفع معه الحبة السوداء لأنها هي أيضا قد تعرضت للمبيدات فباتت هي السأم لا الشفاء!! هنا يا أمير أبقي مجال للتساؤل: لِمَ غابت البسمة ليس في عسير بل في كل الوطن، بله في العالم الإسلامي كله؟؟ هل بقي مجال للنوم في العسل. كيف.. ألم يكن هنالك نذر بالخطر؟؟ بلى لقد كانت ممارسة الامتناع عن مشاركة الوطن شعباً وقيادة في الاحتفال بمضي قرن على قيام الوحدة والاتحاد الوطني مثالاً صارخاً على التشكيك!! بل لقد كانت ملصقات تحريم السياحة والتأمين وهي أنظمة صدرت من ولي الأمر، هي المثال الناصع الوضوح وبالذات في عسير ولعلك اكثر من اكتوى بمثل هكذا منهج ونهج؟؟
الإنسان الذي يرتبط بالأرض، يهتم بالإنتاج، والإنتاج له معايير للجودة والإتقان، وهذا منهج وهذه عناصر مقضي بقبولها أنها مرتهنة لمشورة ورأي وقيادة، لذا فإن المجتمع محكوم بنظم توافق الجمع العامل في الأرض على قبولها، ومن يخرج عن الإجماع والجماعة فقد شذ، والشاذ لابد من خضوعه للأغلبية، ولن تجمع الأمة على ضلال!! نعم كل الوطن يفخر بالثلة والعينة المثال من الأبطال من الأجداد والآباء قادة التأسيس والبناء مع القائد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ونحن أجيال قد توارثنا بالسماع لا المعايشة خبر ونبأ قادة النضال والاتحاد الوطني رحمهم الله جميعا، وورثنا أجيالاً متعاقبة نعيم الاستقرار والقرار السياسي والاجتماعي دولة وكياناً، وواجب الأمانة تعقيم كل منابت الفوضى والتدمير والإرهاب، وفكر التطرف والانعزال والانغلاق وادعاء شرعية الوجود للنظام والسياسة والدين، وهذا أمر سهل ميسور متى ما أسندت الأمور الى الأكفاء لا من هم محل الثقة، فليس كل موثوق كفؤاً والعكس صحيح، ولعل مثال العراق الحبيب والعزيز علينا اصدق حال، فلقد سقطت بغداد ولم تسقط العراق، والسبب أن من كانوا في بغداد محل ثقة لكنهم كانوا يدافعون عن صنم، أما العراق فكان في كل أطرافه اكفياء دافعوا عن الوطن، وفرق بين الحاشية الذين مجدوا الصنم وأضاعوا الوطن، ومن ماتوا واستماتوا في الدفاع عن الوطن!
الفكر الحر يا أمير والحرية في الحوار هي ما سيعيد الابتسامة، والعدل هو قوام وسنام الأمر، والمرجعية هي للأغلبية المحبة للدين والوطن، والأمن والاستقرار والتنمية للإنسان، ولابد من تطوير وتبديل وتعديل في النهج والمنهج، لنعود أصفياء أتقياء أنقياء، لا أن يأتي إليك حفيدك ليصدر عليك التكفير ويصرفك عن التفكير، وشكراً لك على ولهك بعسير، نعم عسير جميلة بإنسانها، ولكن الوطن جميل وغني بتنوع ثقافته ومرجعيتها التي نشأت وانتشرت لبقاع الأرض، لكن ظلم التشكيك هو الوجه المظلم والمخيف للناس، وليس هنالك اقسى من الخوف على العقيدة التي فطرنا الله عليها منذ 1425 عاماً ولله الأمر من قبل ومن بعد.

* باحث ومستشار إعلامي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved