الثواب والعقاب، أسلوب جميل نحتاج إليه في مجتمعنا، شريطة أن يطبَّق المبدآن سواسية على الجميع وفقاً لما تقتضيه الحاجة، بيد أنني رأيت أن العقاب يطبَّق بحذافيره في مجتمعنا، والثواب لا يطبَّق إلا بعد أن يكون صاحبه في عداد الموتى.. ويقتصر ذلك على برقيات التعازي وسمفونيات الرثاء، علماً بأن الثواب الذي تندرج تحت مسماه أنواع عديدة من الثوابت الحسية والمعنوية مثل: التكريم، الشكر، الترقية، الزيادة في الراتب يحتاج إليه الإنسان وهو لا يزال على قيد الحياة ليكون دافعاً له لمزيد من العطاء، والمثابرة والإنتاج، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
والتكريم هنا، لا يقتصر على من يملك وظيفة فقط، بل يمتد إلى تكريم الكاتب، الفنان، الصحافي، الأديب، الشاعر، وكل من له دور بنَّاء في مجتمعنا، إلا أننا لا نكرِّم أبناءنا، إلا بعد الرحيل، كعرف اجتماعي، أو من باب اذكروا محاسن موتاكم فقط. نعلم أن الالتفات إلى الإنسان وتكريمه بعد الممات شيء جميل، إلا أن تكريمه وهو على قيد الحياة أجمل، فلماذا إذن يحرم من حقه وهو حي يرزق؟ ولماذا لا نشعر بقيمة الآخرين إلا بعد موتهم؟ والإنسان ثروة حقيقية بما يملك من عقل وتجارب وحب للعطاء، يمكن أن تورث للجميع وهو لا يزال حيَّاً إن وجد التقدير، فهل نقف وقفة صدق حقيقية ليست فيها مجاملة أو مصلحة، ونكرِّم كل من أعطى لهذه الأرض الطاهرة تكريماً منطقياً، ومن رحلوا عنَّا نساهم في عمل خيري لهم يكون أجره سيلاً يزيدهم حسنات وهم تحت الثرى، لأنه لا يبقى للإنسان إلا العمل الصالح والدعاء له، أما الشعارات ومكارم التكريم الافلاطونية فلا تضيف لهم شيئاً، فالحياة للأحياء فقط وعلى الدنيا السلام، إذاً ما زلنا نفخر ونسعد بمآثر أبنائنا الذين ذهبوا عنا، وننتظر الأحياء منهم حتى تأتيهم المنية ليصلهم الدور في التكريم.
|