لقد مَنَّ الله على بلادنا المباركة - المملكة العربية السعودية - بسلامة منهجها، واستتباب أمنها، وصحة عقيدة أهلها، وكفاءة علمائها، وإخلاص قادتها في خدمة الإسلام والمسلمين، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب على كل مسلم أن يشكر الله على ذلك، ويسأله المزيد من فضله، وأن يقدر هذه النعمة التي نتفيأ ظلالها في هذه البلاد المباركة، ويشكر لولاة الأمور (من العلماء والأمراء) نصحهم وتوجيههم، وسهرهم في سبيل مصلحة البلاد والعباد.
كما يجب على كل مسلم الحذر من الفتنة، والأمور المشتبهة، والتدخل فيما كفي مؤنته، وليتأمل قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء.
وقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتؤدة فإن الرجل يكون تابعاً في الخير خير من ان يكون رأسا في الضلالة) (1) وقول ابن بطة رحمه الله: (أعادنا الله وإياكم من الآراء المخترعة، والأهواء المتبعة، والمذاهب المبتدعة، فإن أهلها خرجوا من اجتماع إلى شتات، وعن نظام الى تفرق، وعن أنس الى وحشة، وعن ائتلاف الى اختلاف، وعن محبة الى بغضة، وعن نصيحة وموالاة الى غش ومعاداة، عصمنا الله وإياكم من الانتماء الى كل اسم خلاف الإسلام والسنة) (2).
وقول معالي الشيخ صالح آل الشيخ (حفظه الله) في بعض كتبه: (في الفتن ليس كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال يقال في كل الأحوال، لابد من ضبط للأقوال، لأنك لا تدري ما الذي سيحدثه قولك؟ وما الذي سيحدثه رأيك؟ وما الذي سيحدثه فهمك؟ والسلف رحمهم الله: احبو السلامة في الفتن، فسكتوا عن اشياء كثيرة، طلبا للسلامة في دينهم وان يلقوا الله جل وعلا سالمين
وقد ثبت ان سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال لابنه حين حدث في القيم ببعض الأمر في الفتنة، قال لابنه: يا هذا اتريد ان اكون رأسا في الفتنة؟ لا. لا والله، فنهى سعد بن ابي وقاص ابنه عن ان يكون سعد او يكون ابنه رأسا في الفتنة، ولو بمقال او بفعال، ولو رآها حسنة صائبة، فإنه لا يأمن ان تكون عاقبتها غير حميدة.
والناس لابد أن يزنوا الأمور بميزان شرعي صحيح حتى يسلموا، وحتى لا يقعوا في الخطأ، ثم ان للأعمال والأفعال والتصرفات ضوابط لابد من رعايتها، فليس كل فعل يحمد في حال يحمد في الفتنة..الى ان قال حفظه الله: لابد من العقل، ولابد من الفهم، فالسرعة والعجلة أمور غير محمودة، فمن الذي يلزمك بأن تتكلم في كل مجلس؟ او ان تتكلم في كل مجتمع بما تراه حقا في الفتن؟ فالحق يبينه علماء السنة والجماعة، فإن كان عندك رأي أو فهم فاعرضه عليهم، فإن قبلوا فذاك، وإلا فقد برئت ذمتك من اطلاع عامة المسلمين على رأيك. اهـ) (3).
وليحذر المسلم الاستماع الى أهل الاهواء، فإن الهوى يعمي ويصم، وقد ذكر الدكتور ناصر العقل - حفظه الله- بعضا من صفات أهل الأهواء لتجنبها ومنها:
1- التسرع في إصدار الأحكام والمواقف لمجرد الشائعات، والقرائن والظنون واللوازم.
2- سرعة الاستجابة للفتن، والتصرفات الغوغائية، والجمهرة، والتداعي عند كل صيحة دون الرجوع لأهل العلم والحلم والفقه والرأي، إلا من يوافق هواهم.
3- الخوض في المسائل الكبرى، والقضايا الخطيرة، ومصالح الأمة العظمى التي لا يبت فيها إلا العلماء المعتبرون، والراسخون، وأهل الحل والعقد في الأمة.
4- غرس الغل وشحن قلوب الناس على المخالفين، وإدمان الكلام والثرثرة فيما لا شأن للعامة فيه من السياسة والمظالم والأثرة، ونحو ذلك مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهم. اهـ (4).
وقد روى ابو نعيم في الحلية بسنده عن عبدالواحد بن زيد قال: قال لي أيوب: قل للثوري لا تصحب عمرو بن عبيد، قال: فقلت ذلك له، قال: اني اجد عنده اشياء لا اجدها عند غيره، فقلت ذلك لأيوب، فقال لي أيوب: من تلك الأشياء أخاف عليه. (5).
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: انسيت قول الله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} أو نحوا من هذا الكلام (6).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ستجدون أقواما يزعمون أنهم يدعون الى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق (7).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله محذرا من أهل الأهواء: لما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أنني لا أكلمه إلا اسمعكم، اني لأكلمه فيما بيني وبينه دون ان افتتح امرا لا أحب ان أكون أول من افتتحه ولما فتحوا الشر في زمان عثمان رضي الله عنه، وانكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره الى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان بأسباب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الانكار العلني، وذكر العيوب علنا حتى ابغض الناس ولي أمرهم وقتلوه. نسأل الله العافية. اهـ) (8).
وقال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله محذرا مما يفعله بعض أهل الأهواء: إن غيبة ولاة الأمور من أمراء أو علماء، ليست غيبة لهؤلاء بأشخاصهم، ولكن غيبة وتدمير لما يحملونه من المسؤولية، فإن الناس إذا اغتابوا قل قدر العلماء في أعين الناس، وبالتالي يقل ميزان ما يقولونه من شريعة الله، وحينئذ يقل العمل بالشريعة بناء على هذه الغيبة، فيكون في ذلك اضعاف لدين الله في نفوس العامة، وان الذين يغتابون ولاة الأمور من الأمراء والحكام انهم ليسيئوا الى المجتمع كله، لا يسيئون الى الحكام فحسب، ولكنهم يسيئون الى كل المجتمع، الى الاخلال بأمنه واتزانه ونظامه.اهـ (9).
وبذلك نعلم ضرورة الالتفاف حول ولاة أمرنا، وكبار علمائنا، والصدور عن توجيههم، والاستنارة برأيهم، كما دل على ذلك كتاب الله، وسنة رسوله، وهدي السلف الصالح.
أسأل الله ان يديم على بلادنا أمنها واستقرارها، في ظل قيادتنا المباركة تحقيقا لدعوة ابينا ابراهيم عليه السلام حيث قال الله عنه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين.
( * ) مشرف تربوي في إدارة التعليم بحائل/(تخصص علوم شرعية)
الهوامش:
1- الإبانة 1-328
2- وصايا الأئمة في لزوم السنة 18
3- الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ص 48
4- انظر كتاب (الخوارج) تأليف د. ناصر العقل ص 146
5- حلية الأولياء 7-33
6- الفتاوى 10-170
7- الابانة 1-333
8- انظر كتاب (المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم) للشيخ ابن باز ص 22
9- من خطبة الشيخ ابن عثيمين يوم الجمعة 15-6-1415هـ
|