صار همه ما يقوله الناس عنه، إلى درجة أنك أحيانا تظن -وبعض الظن إثم- أنه يخشى الناس كخشية الله أو أشد خشية، وذلك يتضح من أقواله وأفعاله؛ فكلما أمر بمعروف تركه، أو نهى عن منكر فعله؛ قال: وماذا يقول الناس؟ فيجعل ما يقوله الناس مبرراً لمنكرات عظيمة يرتكبها، ولموبقات خطيرة يعملها، فالرياء مثلا يحبط العمل، ويقضي على الحسنات، ولكنه يفعله ليمدحه الناس ويثنوا عليه، والإسراف الذي لا يحب الله فاعله، يقع فيه أكثر أحيانه من أجل الناس، والتبذير الذي جعل الله أهله إخوانا للشياطين، هو ديدنه، ودافعه إلى ذلك كلام الناس وما يقولونه عنه.
إن ما يفعله هذا وأمثاله لخطر عظيم، فيه دليل على ضعف الإيمان وقلة اليقين، وبعد عن تعاليم الدين، فالناس لن يغنوا عنه من الله شيئا، ومهما عمل من أجلهم من عمل يسخط الله فإنهم لن يرضوا عنه، بل يسخط الله ويسخطهم عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله تعالى مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله تعالى إلى الناس). والناس لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا فضلا عن أن يملكوا ذلك لغيرهم، إنما ملك ذلك كله لله عز وجل، فهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فحري بالمسلم أن تكون أعماله خالصة لوجه الله عز وجل، لأن العمل عندما يكون من أجل الناس وقول الناس يكون وبالا وشرا على عامله، حتى ولو كان هذا العمل عملا مما يراد به وجه الله عز وجل، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار). فالنار مصير الذين تكون أعمالهم من أجل قول الناس، فيجب على المسلم أن لا يبالي بكلام الناس، إنما يراقب الله عز وجل في جميع أقواله وأفعاله.
( * ) حائل - ص.ب 3998 |