Friday 30th July,200411628العددالجمعة 13 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

محذراً من فتنة السحر والسحرة.. د.عبد المحسن القاسم.. لـ «الجزيرة »: محذراً من فتنة السحر والسحرة.. د.عبد المحسن القاسم.. لـ «الجزيرة »:
القرآن خير وقاية وعلاج من السحر وأباطيل السحرة
أعمال السحرة لا تؤثر إلا في ضعاف الإيمان قليلي العقل

* الجزيرة - خاص :
يلجأ بعض ضعاف النفوس إلى السحر والسحرة ابتغاء شفاء من مرض أعجز الأطباء, أو تزويج فتاة أوشك أن يفوتها قطار الزواج، أو غيرها من مصالح الدنيا، وربما يلجأ البعض إلى هذا العالم الغامض مدفوعاً بنزعة شريرة لتكدير حياة أسرة سعيدة، أو الانتقام من إنسان يختلف معه، أو إفشال خطبة فتاة كان يرغب بالزواج منها، وكثيراً ما يقع هؤلاء الواهمون فريسة لابتزاز السحرة، أو من يدعون السحر، وتسخير الجن والشياطين، فيخسرون الدنيا والدين معاً.
لكن ما هو السحر، ومن هم السحرة، ولماذا يسحرون الناس، وكيف نتقي شرهم ؟ وغيرها من الأسئلة التي طرحناها على فضيلة الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد القاسم القاضي بمحكمة المدينة المنورة، وإمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.. فكان هذا الحوار:
* بداية نسأل عن حقيقة السحر والسحرة ؟
- يجب أن نؤمن أن الله خلق العباد على الحنيفية السمحة، وجبلهم على الفطرة النقية، وإن الشيطان عدو الإنسان، يقعد له الصراط المستقيم، ويأتيه من كل جهة وسبيل، حتى احتال من شاء الله منهم، فكبت عقولهم، وأصابتها لوثات وعلل، فآمن بعضهم بالخرافة، ورضي آخرون بالكهانة، فباتوا سادرين على باطلهم، لاهين بالسجع والتخمين، يقذفون بالغيب في كل حين، أخبارهم أساطير وأوهام وخليط كلام، والإسلام دين يزيل الخرافة من الفكر، والرذيلة من القلب، ومع ذلك فقد ضل بعض الناس، فلم يقفوا عند حدود ما أخبرتهم به الرسل من غيوب ماضية، وحوادث قادمة، والساحر والكاهن يفتن قلوب البسطاء، ويخدع السذج والرعاع، عمله شر وبلاء، يتجافى عنه أولوا الألباب، وينأى عنه أصحاب الفطر السليمة، والقلوب المستنيرة، يقول عز وجل: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذاريات 52)، فجميع الأمم واجهت رسلها بهذه المقالة الظالمة، ولقد كان السحر - ولا يزال - منزلفاً لم يجن البشر من ورائه إلا ثمرات مرة، سترها الشيطان واتباعه بغلالة رقيقة من خدع لاتروج إلا على الطغام من البشر.
* وكيف يستطيع السحرة أن يسحروا بعض الناس ويصيبونهم بالأذى؟
- من العجب أن هناك صنفاً من الناس يكون هدفهم الإيذاء والإضرار، أحبوا الشر وأقاموا عليه، يفرقون بين الأخلاء، وينشرون بكيدهم الفرقة والنزاع، سلاحهم المكر والدهاء، تأكل النار قلوبهم، وينخر الحقد أكبادهم، يشعل الواحد منهم فتيل الحسد، ويوقد نار الحقد، أركض عليهم الشيطان بخيله ورجله حتى أورده المزالق ودركات المهالك، وقاده إلى حيث يطفأ نور الإيمان عند ساحر أو ساحرة، ولقد رفع الشيطان لواء السحرة والكهان بعمله وكفره، يتلبس بهم الشيطان وينطق على لسانهم، ولذا ترى الشياطين تألف هذه النفوس الخبيثة، التي تدنست بالشر ورضيت به، يقول تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} (الأنعام 121).
* ما صحة ما يقال عن أعمال السحرة والتي تمكنهم من سحر بعض الأشخاص؟
- إن السحرة قد يرتكبون في سبيل إرضاء أنفسهم الخبيثة، وأهوائهم الدنسة الحماقات والشركيات، فيباشرون النجاسات، ويأوون إلى الأماكن المستقذرة، يكروهن سماع القرآن، وينفرون عنه، يذبحون الحيوانات ذاكرين عليها غير اسم الله، لا يتطهرون ولا يتوضؤون، صفاتهم الجهل والضلال والكذب والبهتان، لا يرتقي الساحر في سحره ما لم يُعبِّد نفسه للشيطان، تتدنس نفسه بالخبث والفساد، وتتلذذ بالشر والبلاء، وتتعاظم عنده الرغبة في الإيذاء، والقليل منهم ينال بعض غرضه الذي لايزيده من الله إلا بعداً، سماعون للكذب أكالون للسحت، عليهم ذلة من الله، ولقد دان الساحر للشيطان، فخبثت نفسه، وأظلم قلبه، وتدنست أخلاقه، يغرس الشر حيثما حل، والفرقة أينما نزل، وإنه مع ما يبذله من جهد ومشقة، ويقدمه من تضحيات في سبيل الشيطان ورضاه، بالذل والخنوع، وارتكابه المخازي، وبيع روحه وكل ما يملك لابليس، فإن جزاءه من عدو الله الحسرة والندامة، والتخلي عنه عند المصائب والنوائب.
* وماذا عن قدرات هؤلاء السحرة؟
- لقد نفى الله الفلاح عنهم بقوله: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه 69)، أي: لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض، حيث إن لقدرات السحرة حدوداً لا يمكن تجاوزها، فلا يستطيع الساحر أن يوقف الشمس، ولا أن يسقط النجوم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال:(ليسوا بشيء، قالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا أحياناً بالشيء فيكون حقاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة) متفق عليه، لكن مما يؤسف له أنه لا يزال بعض الناس يجري وراء أوهام السحرة والعرافين والدجالين، ويضيع بسبب ذلك الأوقات والموال، وقد تزهق معه النفوس والأرواح، يتخذون من التنجيم صناعة، ومن النجوم مستنداً يتكئون عليه عند حلول الملمات والكربات، وما علموا أن مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيد الله الواحد القهار.
* وماذا عن جزاء من يذهب إلى السحرة؟
- إن الذين يلجأون إلى السحرة لا يرجعون إلا بالحسرة والخيبة، وحسبهم إنهم تركوا الملاذ الحق الذي يجب اللجوء إليه وهو رب العباد، وهم بذلك يدمون أنفسهم قبل غيرهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وكلما ابتعد المرء عن الله، واللجوء إليه، والتوجه إليه، عظمت عنده الحيرة وكثر البلاء في وجهه، ومن يتعرض لأعراض المسلمين بالضرر تحصل بينه وبين الناس وحشة، كلما قويت بعد منهم، ومن مجالستهم، حتى تستحكم تلك الوحشة فتقع بينه وبين أهله وولده وذوي رحمه وبينه وبين نفسه، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} (الحج 18)، ويقول - عليه الصلاة والسلام-: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) رواه الأربعة والحاكم وصححه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
* وماهي عقوبة الساحر؟
- لتفاقم خطر السحرة على الأفراد والمجتمعات، جاء الحكم بقطع أعناقهم، ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى عُمَّاله أن (اقتلوا كل ساحر وساحرة)، وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية سحرتها فقُتِلت، إنهم يتكئون على معبود هزيل لا يستطيع أن يفتح باباً مغلقاً، ولا أن يكشف آنية خمرت، ولا أن يحل قربة أوكيت، يتكئون على من يهرب من الأذان، ويخنس من الذكر: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النمل 65)، فالسحر منكر وكفر، وهو من نواقض الإسلام، قال تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (البقرة 102)، وإن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، الإنسان فيها معرض للمصائب والفتن، وللفقر والمرض، والمكلف مأمور بتعاطي الأسباب الشرعية والمباحة، ممنوع من تعاطي الأسباب المحرمة، والأمور كلها بيد الله، فهو الذي يشفي من يشاء، ويقدر الموت والمرض على من يشاء، فعلى المسلم الصبر والاحتساب، والتقيد بما أباح الله من الأسباب، والحذر مما حرم الله عليه، مع الإيمان بأن قدر الله نافذ، وأمره سبحانه لا راد له، والموت على التوحيد خير من الحياة على الشرك والكفر، وما عند الله خير وأبقى.
* وهل ثمة علاج يفيد المسحور، ويخلصه مما دبره السحرة؟
- إن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، فهي أدويته النافعة، والسحر من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكن بما يعارضها، ويقاومها من الأذكار والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، والقلب إذا كان ممتلئاً من الله، معموراً بذكره، وله من الدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه، كان سالماً بإذن الله من إصابته بالسحر، والمسلم إذا استعاذ بالله يستعيذ بمن هو المولى ونعم النصير، والسحر عموماً يتم تأثيره في القلوب الضعيفة والنفوس الشهوانية، التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا غالب تأثيره يكون على من ضعف حظه من الدين والتوكل على الله، وعلى من لا نصيب له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوذات النبوية، ويجب أن نعلم أنه لا تأثير للسحر إلا بإذنه تعالى، كما قال سبحانه: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} (البقرة 102)، وإن أنفع الرقى ما كان بالقرآن العظيم، ففي التطبب والاستشفاء بكتاب الله - عز وجل - غنى عام، ونفع تام، فإنه النور والشفاء لما في الصدور، والدافع لكل محذور، وللمعوذتين أثر في إزالة السحر، والشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وإذا أحسن العليل التداوي بالقرآن الكريم، ووضع على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها ؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه.
* هل من كلمة تقولها فضيلتكم لمن تراودهم فكرة الذهاب للسحرة لحل مشكلة ما؟
- أقول الحذر كل الحذر من السقوط في هذا المستنقع الذي يدخل الإنسان دائرة الشرك والكفر، وعلى كل إنسان يعاني مشكلة أن يستعين بالله في مواجهة الشك والشبهات والأساطير والخرافات لتبدد سحب الأوهام، وتزيح ركام الخرافات والأباطيل، وإياك وولوج سرداب الكهنة والسير مع الوهم والخرافة، ولا يخدعنك الشيطان، فيوهمك بأن كل لمة أو علة مرض هي سحر، فالمرء في هذه الحياة يعرض له المرض والهم، واتخذ رب المشرق والمغرب وكيلا تلجأ إليه آناء الليل وأطراف النهار، واقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم، وبصحابته الكرام، والصالحين من العباد في التوكل على الله وحده، والالتجاء إليه سبحانه، واطلب الشفاء منه، والاقتصار على ما أباحه من الأسباب، فذلك سبيل النجاة في الآخرة والأولى، ونسأل الله أن يزيل عن كل مسحور ضرره، وإن ينزل رجسه وغضبه واليم عقابه على السحرة، وعلى من آذى الناس بالسحر، وان يفضحهم من بين خلقه ليحذروهم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved