Friday 30th July,200411628العددالجمعة 13 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

التفاعل الحضاري والهوية الوطنية التفاعل الحضاري والهوية الوطنية
د. خالد عبدالعزيز الشريدة*

التفاعل الحضاري هو سنة هذا الكون. وإذا كانت المعرفة على المستوى الشخصي تنمِّي في الإنسان عدداً من المواهب والقدرات المختلفة، فإن ذلك يصح على المستوى المجتمعي والدولي.
وإذا كان من بدهيات نجاح المسيرة التنموية الحضارية تحقيق التوازن والتفاعل البنّاء بين معادلتي العالمية والمحلية فإن تهيئة المحلية لتتجاوب مع متطلبات- اشتراطات العالمية- والعكس!- يحتاج إلى تضافر جهود لا تقف عند همّ نظري أو قرار غير عملي، وإنما الحاجة اليوم أكثر مساساً إلى تكاملية التوجهات في عملية التفعيل والتنسيق بين مختلف القطاعات ليخدم كل منها الآخر حتى تسير الحركة المحلية مدفوعة ذاتياً من عوامل وعناصر وجهات مختلفة لا من عامل أو جهة واحدة. والحقيقة التي نريد إيصالها هنا هي أن المجتمع بقنواته وأفراده ومؤسساته كالجيش الواحد في ساحة تدافع- تفاعل فإن ذهبت كل قناة أو مؤسسة لتفعل ما تريد من غير تنسيق مع خلايا المجتمع المكونة له وعلى رأسها القيادة فإن تساقط المجتمع وبالتالي هزيمته هي نتيجة محسومة.
ومن هنا فاستدامة مسيرة النجاح والفعل والتفاعل الحضاري معقودة في أن تخدم السلوكيات والسياسات المحلية على المستوى الفردي والجماعي والمؤسسي هذا المعنى...
ودول العالم المختلفة والشركات العالمية الاستثمارية حينما تقرأ معادلة التوازن الداخلي وجدّية توجهاته فإنها -ولابد- سوف تتعامل معه بما يتوافق وسياساته وبما يخدم مصلحة الطرفين ذلك أن الطرف المستثمر يعمل على أن يكسب سوقاً قوية مستهلكة، والآخر -المحلي- يريد أن يتعامل مع سياسات ومنتجات وتقنيات تتكامل وتوجهاته ومصلحة وطنه.
وإذا كان البعض ينادي بأنه ليس من الملائم الآن السعي إلى الانغلاق في الوقت الذي تتجه فيه الدول نحو الانفتاح على بعضها، فهذا من حيث المبدأ صحيح..، لكنه من حيث الواقع يحتاج إلى تقدير الانفتاح ومرحليته ومستواه ومتطلباته وآثاره. كل ذلك من أجل اغتنام إيجابياته (فرصه) وتجنب سلبياته (مخاطره). والدعوة إلى الانفتاح العالمي لا تعني القفز على الواقع المحلي..، فالتفكير في العالمية يحتاج إلى معرفة واقعنا وقدراتنا وإمكاناتنا المحلية.
وفي هذا السياق -والسباق- فمن الجميل أن يكون الإنسان عالمي التفكير محلي التصرف كما هي مقولة (فكّر عالمياً وتصرّف محلياً) (فلا انفتاح يجلب ما لا قبل لك به ولا انغلاق يحرمك مما لابد لك منه).
ومن أجل أن نربط بين الكيفية التي يجب أن تتعامل معها ذواتنا مع غيرنا يتأكد النظر إلى أمرين مهمين هما:
الأول، أن نعرِّف ذواتنا ومن نحن مشخصين هذا المعنى (الهُوية) في مقابل -ثانياً- العلاقة مع الآخر في سياق التقارب والتفاعل الحضاري المعاصر. ومادة (هو) تعني حقيقة الشيء وجوهره التي تتجلى من خلالها مكونات ذاته وطبيعة علاقاته. وإذا كان جوهر حقيقتنا هو أننا متعبدون لله ومستخلفون لعمارة الأرض، فإن هذه الحقيقة تفرض منطلقات (ثابتة) لا يمكن الحيدة عنها مهما اختلف الزمان والمكان. ومن هنا فالذي يحمل هذه الحقيقة أنّى وجد فهو مطالب بتجسيدها دون خلل أو خجل. وإذا كان بإمكان الإنسان أن يغيّر من (هَويته بالفتح) أي بطاقة تعريفه أو جنسيته لظروف زمانية أو مكانية فإن الأولى (هُويته) بالضم لا تقبل ذلك كله إلا إذا غير الإنسان جوهره وحقيقته.
وهذه الهوية بيَّنة أي واضحة المعالم لا لبس فيها ولا غموض عقيدة وشريعة. وثابتة إذ ترتكز على معالم وأحكام سماوية لا تقبل تشويه الإنسان في أي زمان ومكان. وحركية، إذ لا تقبل الجمود فهي هوية فاعلة ومتفاعلة مع الزمان والمكان عطاءً واكتساباً.
وهذه الصورة من البيان والوضوح لا تترك مجالاً للخلط ولا للشك ولا للذوبان، ولو أن فيها من القابلية لإحدى هذه المعاني لانتهت منذ قرون.
ومما تفرضه علينا ميزات هذه الهوية في العصر الذي نعيشه أنها مع الثبات تتطلب التثبت فلا تستعجل بالرفض لعدم الألفة، ولا تنساق منبهرة دون روية. (لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس، إن أحسنوا أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن احسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا ألا تظلموا) حديث حسن رواه الترمذي.
وإذا كان المكِّون الأساس لهويتنا هو وحدتنا العقدية وتشريعاتها السماوية التي تهيمن وتشكل المعنى الأسمى لمرجعيتنا، فإن المعنى الاجتماعي للهوية الوطنية في مجتمعنا السعودي يتمثل في:
* وحدة التاريخ.
* وحدة الوطن.
* وحدة القيادة.
والتاريخ السعودي حافل بأحداث كان لها أثر كبير في لملمة شعث قبائل متناثرة في محيط الجزيرة العربية انعكس بالتأكيد على روح أخوية وطنية كونها هذا التاريخ الموحّد الذي ينتمي إليه شعب المملكة العربية السعودية.
ومما يعزز من تعميق معنى الهوية الوطنية للسعوديين انتماؤهم لتاريخ واضح صنعوه بأيديهم ودمائهم، ولم يصنعه له غيرهم.
والوطن هو المنجز الحضاري الذي يعرف بحدوده السياسية والمتميز بوحدة أراضيه ونسق ثقافته وبنائه الاجتماعي المتجانس.
ووحدة القيادة التي كانت خلف كل هذا الإنجاز، والمتمثلة في القيادة الشرعية الحاكمة للمجتمع السعودي.
كل هذه المكونات (الإرث المشترك) تنتظم جميعاً لتصيغ شخصية الإنسان السعودي مشكلة هويته الوطنية.. والتي إن اشتركت مع غيره من المسلمين في المكون العقدي فهي تتميز بخصوصية الموطن الذي تأوي إليه أفئدة المسلمين في أقطار الأرض خمس مرات يومياً مما يزيد هذه الشخصية عبأً تحمل هذه الخصوصية الفريدة لوطن الحرمين الشريفين.
ولذلك فجوانب تعزيز هذه المنظومة المشتركة تحتاج منا إلى تأكيد في المادة الإعلامية والمناهج الدراسية والكتابات والمحاضرات الثقافية.
وثانياً: في العالم المتغير اليوم تحتاج الشخصية الوطنية إلى التمييز في حركتها الحضارية في التعامل مع (الآخر) بين مستويات ثلاثة:
أ- الإنسان الغربي (غير المسلم عموماً): إذ الأصل أن لا مشكلة تعيق التواصل معه أينما كان، بل إن من مركبات ثوابت هويتنا أنها تحمل رسالة للعالمين!.. وكم في العالم الغربي من نصير لأحوال المسلمين على المستويين الفردي والمؤسسي لو أننا أحسنا التواصل معه. ومن هنا فوضوح وإيضاح هذه الرؤية ابتداءً عامل أساس في تفعيل وتجسير العلاقة على هذا المستوى.
ب- العلم الغربي (المنتج الحضاري) وذلك منتج نحن مدعوون بمعايير الدين والدنيا أن نطلبه ونتتلمذ عليه. وكم تتلمذ الغرب على منتجنا الحضاري من قبل فاستفاد وأفاد.. ونحن اليوم بحاجة إلى معادلة الكسب والعطاء.. لا الاستهلاك والاسترخاء.
ج- المشروع الغربي: وذلك الذي لا نرضاه حينما ينفي أو يهمش أو يعادي هويتنا الإسلامية. على أن أي طرحٍ يوافق مسلماتنا ولا يتعارض مع ثوابتنا المنصوص عليها فنحن بمشروعنا الحضاري لا نقف ضده، بل ندعمه وإذا توفرت إمكاناتنا نقوده.
والنتيجة التي نحتاج إلى أن نتوقف ملياً عندها أمام هذا العالم سريع المتغيرات أننا ونحن نعيش هذه المرحلة التاريخية تحديداً نحتاج إلى وعي بقيمنا وذواتنا وما يدور حولنا لأن ذلك كله ينعكس على دورنا ومستقبلنا المبني -شرطاً- على اتساق داخلي أكبر على مختلف المستويات لكي نعمل جميعاً وفق أهدافنا وأولوياتنا، وبالتالي يمكن أن نتعالى سوياً على التحديات خارجية كانت أم داخلية. ولن يكون ذلك متاحاً إلا بالشعور بالساحة المشتركة لمكونات المجتمع وعناصره سواءً المادية أو المعنوية.
أخيراً.. إذا كانت (الهوية) تتأثر (ابتداءً) بتفاعل مستوياتها الثلاثة - المواطن، المجتمع، ومؤسسات الدولة وسياساتها- فإن (للعالمية) حظاً في التأثير عليها (انتهاءً) لكن هذا التأثير يمكن أن يكون إيجابياً حسب اتزان الشخصية وقوة مقوماتها وتمسكها بثوابت الهوية والعكس صحيح. ولئن أصبحت نواميس العالمية حديث الكل لتأسيس (مواطنة عالمية) تعيش مصطلح (قريتها الكونية) فإن إضفاء (المحلية) على (العالمية) - ومنها احترام الخصوصية- سوف يجسده (العامل) الذي يعيش بداخله (العالم).

(*)جامعة القصيم- قسم الاجتماع


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved