Thursday 29th July,200411627العددالخميس 12 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

4-11-1391هـ الموافق 21-12-1971م العدد 372 4-11-1391هـ الموافق 21-12-1971م العدد 372
هجرة العلماء
بقلم: إبراهيم الناصر

أخذت الدول النامية في آسيا وافريقيا تفيق من سبات طال أمده لعدة قرون.. سبات كلفها الكثير رغم أنها لم تكن المتسببة في هذا التقهقر عن مواكبة القافلة الانسانية.. ولعل الشعب الياباني بالذات أول من ادرك عمق الهوة السحيقة التي تمثل، ليس الفاصل الفكري والتكنولوجي العطَّاء الزاخر الثر، بل الجفاف الفاضح الأليم.. والثمن كبير في كلتا الحالتين والمسئولية اعظم.. وهو ما يترتب على شعوب القارات المتأخرة.. فكانت منه بداية المنطلق لمحاولة اللحاق بالقافلة العالمية صناعيا وعلميا.. فقبل أن يقام المصنع ينبغي ان يتوافر العدد الكافي من العقول التي ستدير أدوات المصنع.. العقول التي تسعفه بالمواد الأولية والخامات.. إذن فتوفير السواعد والعقول يسبق التفكير في اقامة مصنع، بل ان التفكير في ذلك الاتجاه إنما يحدث بعد تصاعد الوعي وادراك المسئولية التاريخية والحضارية.
وكانت تجاربه في البداية غير مشجعة، بيد أن ذلك لم يثنه عن عزمه، وهكذا استطاعت تلك الصناعة أن تدخل في منافسات شديدة وخطيرة ايضا.. وركزت عليها ونحوها الانظار بين مشفق وحانق.. بين مسرور وغاضب.. ولم تكد تغزو الاسواق بكميات تجارية حتى وجهت اليها طعنات لم تصب منها مقتلا، بيد انها حدت من ذلك التدفق والاغراق الكاسح.. فاتهمت بعدم الجودة والسرعة في الانتاج بقصد ارباك الاسواق وتخفيض مستوى الانتاج الصناعي، وجعله في متناول كافة الطبقات.. ولا يعنينا هنا الدوافع لتلك الاتهامات، فالمستهلك وحده هو الذي يقرر أية بضاعة يرغب في اقتنائها، وليس مَنْ يخططون ويرسمون الاساليب الدعائية.
وتواصلت بعد ذلك النهضة في دول آسيا وافريقيا.. وها هي اليوم تعتمد الى حد كبير على امكاناتها البشرية وما تختزنه ارضها من المواد الخام.. فهي لم تعد شأنها في الماضي مجرد بقرة حلوب تتسول الغذاء والكساء من دول العالم.. انما مواردها الذاتية وطاقاتها الكامنة اخذت تسهم في كل مجال من مجالات العمل والانتاج. وحتى العلماء - وهم المرتكز لاية نهضة- لم تعدم بين ابنائها من استطاع ان يبزغ في الاختراع تلو الآخر.. فالتقليد قد يكون مسموحا في البداية على مضض، بيد ان الابتداع هو الغاية والهدف.. فالتقليد في هذه الحالة مجرد مرحلة على درب الاعتماد الذاتي، وهو درب شاق وطويل.. مساحته المعمورة كلها ومداه ما لا يحد النظر.. وهكذا استيقظ المارد الجبار من القمقم سالبا الشرانق لذة الدفء.. بل انه اخذ يفرض شخصيته العالمية، ويشارك في حل المشكلات الدولية.
وشرقنا العربي كان له نصيبه في دفع هذه المسيرة.. جامعاته ومعاهده العالية تقذف كل عام بمئات الشبان المؤهلين علميا.. المتسلحين بآخر ما توصل اليه العلم الحديث في التكنولوجيا وغيرها.. فالمدرسة والمختبر صنوان لدفع العجلة الحضارية.. لتفريخ العقول الكبيرة.. العقول المعتمدة بما يكتظ بين جوانحها من أحلام في الغد المشرق.. غد العلم والعلماء.
مر بخاطري كل ما تقدم، وانا أقرأ بحثا محزنا في مجلة عربية اطلق عليه (هجرة الادمغة العربية).. وقد جاء في البحث احصائية تقريبية عن حجم هجرة العلماء العرب، فيقدر عدد الذين لا يعودون منهم الى اوطانهم بعد التحصيل العالي بـ 70%، وقد انتبهت منظمة اليونيسكو الى هذه الظاهرة المزعجة ودرست النتائج التي ستنعكس على التنمية العلمية والصناعية في الوطن العربي، ويكفي ان نعرف أن عدد المهاجرين من ثماني دول عربية بلغ خلال السنوات الخمس الأخيرة سبعة آلاف شخص.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved