Thursday 29th July,200411627العددالخميس 12 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "سماء النجوم"

القهوة مفتاح النهار القهوة مفتاح النهار

الشاعر محمود درويش عاش أياماً عصيبة في بيروت عام 1982 حين مارس (شارون) عدوانه وإرهابه على بلد الحب والسلام.
كان محمود درويش لا ينام إلا بعد أن يضع القطن في أذنيه ويرى في نومه كوابيس مرعبة ربما لكثرة استماعه لنشرات الأخبار الطافحة بالدم. في تلك الاثناء كان يحلم بهدنة لمدة خمس دقائق ليعد قهوته الصباحية. يقول: أريد رائحة القهوة.. لا أريد غير رائحة القهوة.. ولا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدمي لأتحول من زاحف إلى كائن، لأوقف حصتي من هذا الفجر على قدميها، لنمضي معاً، أنا وهذا النهار، إلى الشارع بحثاً عن مكان آخر.
والقهوة لمن أدمنها مثلي، هي مفتاح النهار.
والقهوة لمن يعرفها مثلي، هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت. الفجر، أعني فجري، نقيض الكلام. ورائحة القهوة تتشرب الأصوات، ولو كانت تحية رقيقة مثل صباح الخير، وتفسد.. لذا، فإن القهوة هي هذا الصمت الصباحي، الباكر، المتأني، والوحيد الذي تقف فيه وحدك، مع ماء تختاره بكسل وعزلة، في سلام مبتكر مع النفس والأشياء، وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير داكن وسري اللمعان، أصفر مائل إلى البني، ثم تضعه على نار خفيفة.. آه لو كانت نار الحطب..
ابتعد قليلا عن النار الخفيفة، لتطل على شارع ينهض للبحث عن خبزه، شارع محمول على عربات الخضار والفواكه وأصوات الباعة المتميزة بركاكة المدائح، واستنشق هواء قادماً من برودة الليل، ثم عد إلى النار الخفيفة وراقب بمودة وتؤدة علاقة العنصرين: النار التي تتلون بالأخضر والأزرق والماء الذي يتجعد ويتنفس حبيبات صغيرة بيضاء تتحول إلى جلد ناعم، ثم تكبر على مهل لتنتفخ فقاعات تتسع وتتسع بوتيرة أسرع عطشى لالتهام معلقتين من السكر.. وإلى البُن الصارخ.
فنجان القهوة الأول هي مرآة اليد.. واليد التي تضع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها.. فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved