أنا لا أعطي مبرراً لأفراد الفئة المنحرفة عن الدين الحق ومنهجه المعتدل في الحياة مطلقاً، حيث لا عذر لهم أبداً بما عملوه من قتل وهتك وترويع وإفساد وخروج عن طاعة الله ورسوله ثم عن طاعة ولاة الأمر.
وفي نفس الوقت لا أعطي العذر لأنفسنا عن المسؤولية التي أهملناها ولم نعمل بها، وهذا سبب قوي ومن أهم الأسباب التي أدت إلى نشأة ونمو وترعرع أفراد هذه الفئة المتخلفة ديناً وفكراً ومنهجاً، وذلك على مدى سنوات تصل إلى ثلاثين عاماً مضت، بداية من نشأة الحركة الجهيمانية مروراً بحادثة الحرم المكي الشريف عام 1400هـ.
وللدلالة على ما ذهبت إليه فكم من واحد منّا سمع وسكت ولم يحرك ساكناً ضد بعض الأشخاص منّا وفينا وهم يطلقون مصطلح علماء السلطان عن علمائنا الأفاضل حفظهم الله ورحم الله من مات منهم ؟!!!، وقس على ذلك عن المصطلحات الأخرى والبغيضة عن ولاة الأمر رعاهم الله، واستمرت المهزلة من هؤلاء المسخ ولم نحرّك ساكناًَ!!
فلم نعمل على اجتثاث هذا الفكر الضال ومن بدايات نشأته المكررة في عصرنا الحديث (لأن بداياته منذ عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من رأس المنافقين ابن أبي سلول عليه لعنة الله ومن ماثله) حيث لم نقتلعه من جذوره، وهذه المصطلحات وغيرها لم تأتِ من فراغ بل لقد عملت وصيغت بعناية ودقة فائقتين من قبل قادة ومفكري هذا الفكر، لتفريق الصف ولتشكيكنا في ديننا وفي عقيدتنا ولمآرب أخرى لا مجال لذكرها منها السياسي ومنها الديني المنحرف ومنها الاجتماعي ومنها الاقتصادي ومنها.. الخ.
فالمسألة إذاً يا سادة هي مسألة فكرية، نعم إنها حرب فكرية ضد ديننا ومجتمعنا وتماسكه وعفته وعرضه من أقصى اليمين باتجاهنا ومن أقصى اليسار باتجاهنا أيضا، من أقصى اليمين المنحرف بغلوه وبعده عن منهج محمد صلى الله عليه وسلم وهو موضوعنا هنا، ومن أقصى اليسار وأعني به التيار التغريبي أو العلماني المحارب لدين الله الإسلام منهجاً وسلوكاً وداعياً إلى الذوبان في الحظيرة الغربية غير المسلمة ونابذاً كل ما يدعو إلى الفضيلة والعفة والحشمة وداعياً إلى الرذيلة والإباحية والمجون تحت غطاء التحضر والحرية والديموقراطية والمدنية والمساواة.. الخ وهذا لن أتطرق إليه هنا لضيق مساحة النقاش ولو أن النوع الثاني يعتبر من أخطر الأسباب التي أدت إلى نشأة الفئة الضالة الأخرى وأعني بهم أصحاب الغلو اليميني المتطرف أي النوع الأول كردة فعل معاكسة.
وكلا المعسكرين ينالان دعماً قوياً من أعداء الدين ثم الوطن حسداً من عند أنفسهم..
نعم لقد كنا نحن السبب عندما سمحنا للرعاع من أفراد مجتمعنا وأعني بهم صغار السن أن يسافروا للجهاد أو لغيره من أهداف الحياة هنا أو هناك دون إعداد مسبق لهم سواء كان ذلك الإعداد إعداداً دينياً أو نفسياً أو تربوياً أو سياسياً.. الخ.
كما أننا لم نراعِ العمر أو المرحلة العمرية لمن كان يريد الجهاد.. مثلاً.
حيث إن معظم هؤلاء افتقدوا إلى النظرة الشمولية لدين الإسلام الخالد، وانشغلوا فقط بنظرتهم (هم) الشكلية وحسب ونظرة قادتهم الفكريين في تلك البلدان التي وصلوها وعاشوا فيها شهوراً بل وأحياناً سنوات.
نعم لقد كانت تلك البيئة التي نشؤوا وترعرعوا فيها بيئة معتمة وضبابية بل وحالكة السواد، لما تحمله من حقد وحسد ضد منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وضد كل من يقتدي ويسير على منهجه وبالتالي ضد دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية قيادة ومجتمعاً وضد كل فرد معتدل من شعب هذا الوطن الغالي والذي يمثل معقل وحصن الإسلام الخالد في هذا العصر.
حيث أفرغ قادة هذا الفكر المنحرف كل أساسيات فكرهم وجزئياته في بيئة خاوية وجاهزة وساذجة، وأعني بها عقول هؤلاء الرعاع (طبعاً هذا لا ينطبق على كل من جاهد وبحق بل على فئة قليلة ممن ذهب إلى تلك البلدان وما شابهها).
لقد تدربوا على استخدام السلاح بدءاً من المسدس وانتهاء بالدبابة والمدفع، ثم تعدى الأمر إلى أن تعلموا صناعة آلة الدمار والتفجير والهلاك.
ذهب الفرد منهم بوداعته وبساطته وانقياده وسذاجته وبلاهته وعاد بعد ذلك إلينا بكامل دناءته وشراسته وحقده وتعاليه وتسلطه وبكامل عنفوانه ولياقته وتدريبه ومهاراته العسكرية والميدانية ولكنها جميعاً تحت توجيه ومتابعة قيادات الفكر المنحرف أو من نسميهم بخفافيش الظلام عليهم من الله ما يستحقون.
ولقد ترعرع الحقد والتكفير في عقولهم ونفوسهم ضد جميع أطياف مجتمعهم ودون تمييز، فأضحوا بيننا مصاصين للدماء ولا يرتاح لهم بال إلا إذا رأوا أشلاء أجساد أفراد مجتمعهم تتطاير هنا وهنا، إما بتفجير يقومون به أو بهجوم بالسلاح يفتخرون به فيما بينهم أنصار الظلال وتابعي الشيطان.
أعود وأقول إننا تبسطنا في الأمر منذ بداياته وتعاملنا معه بعدم الاكتراث واللا مبالاة وكأن الأمر كان لا يعنينا !!
ولقد كان القليل منا من كان يواجه أمثال هؤلاء المنحرفين الحجة بالحجة.
ممن كان يتجرأ منهم بالترويج لأفكاره المنحرفة سواء كان ذلك في المسجد أو في المدرسة أو في المجالس والمنتديات الخاصة والعامة.. الخ.
ولم تكن تلك المواجهة معهم بالشكل الذي كان ينبغي، فلم نكلف أنفسنا بالإبلاغ عنهم إلى مرجعياتهم الوظيفية أو العلمية أو الأسرية أو الجهات الحكومية المسؤولة ذات العلاقة.
ومع مرور السنوات كبرت كرة الثلج المنحدرة من جبل عال، حتى تكونت لدينا كرات ثلج أخرى وبنفس الحجم والسرعة والقوة وشدة الانحدار، فالنتيجة كما عايشنا وللأسف نتجت المحصلة وهي تلك الارتطامات القوية والمعتمة والدنيئة ضد ديننا ومقومات حياتنا ومجتمعنا.
فالنتيجة يا سادة تجاوزت المعقول وفضاء اللا معقول فبالإضافة إلى الخسائر الجسيمة في أرواح الأبرياء والممتلكات، نشأت لدينا في هذا العالم ظاهرة سرعان ما سادت جميع بقاع العالم قاطبة وأعني ما نتج من تشويه لصورة الإسلام الحنيف في أعين غير المسلمين والذين كان بعضهم يريد الدخول في الإسلام قبل هذه الأحداث، فأخطر نتيجة سلبية إزاء هذه التصرفات والسلوكيات الشاذة والتي مارسها ويمارسها أفراد هذه الفئة الضالة هي ما ذكرته من تشويه للصورة الحقيقية لديننا الإسلامي، مما جعل الأعذار لأعداء الله والإسلام أن يكشروا عن أنيابهم وينقضوا انقضاض الوحوش الكاسرة على الفريسة الوادعة.
ومن النتاج لهذه اللا مبالاة التي مارسناها جميعاً وبدون تمييز أفراداً ومجتمعاً ومؤسسات، لقد نشأ لدينا جيل لا يرى أحداً سواه في هذا العالم،
(فكما يعتقد هو عن نفسه) هو الذي دائماً على حق دون غيره،
وهو وحده الذي يعرف الصالح للأمة وللدولة،
وهو الذي يجب أن يسمع وينقاد له إذا قال،
وهو الذي يفهم الإسلام وجزئياته دون الآخرين ولا حاجة للعلماء ولا حاجة إلى التخصص بعلوم الشريعة وتفصيلاتها،
وهو... وهو.. الخ،
طبعاً كل ذلك حسب أبجديات فكره الشاذ والمنحرف،
نعم نحن جميعاً كنا سبباً رئيساً وقوياً للحالة التي وصلنا إليها والتي لخّصت عناوينها بما سبق ذكره بمقالي هذا،
ونحن هنا أعني بها كل فرد من أفراد مجتمعنا السعودي الحبيب، مجتمع المملكة العربية السعودية الوطن الغالي، وأياً كان موقع كل منا سواء كان مسؤولاً أو مرؤوساً، أو كان معلماً أو طالباً، وسواء كان أباً أو أماً أو ابناً أو ابنة، أو سواء كان داعية أو إماماً أو خطيباً أو مأموماً.
فجميعنا قد قصرنا إلا من رحم ربك.. فعلينا الآن أن نتدارك أخطاءنا وذلك بأن نقف وقفة رجل واحد ضد هذه الحثالة من البشر والتي لا تمثل إلا نفسها، وضد هذا الفكر الضال والمنحرف وأتباعه وقادته ومصدريه وضد المتعاطفين معه، حتى ولو كانوا من أقاربنا أو من جيراننا أو من أنسابنا أو من معارفنا، فديننا هو الأهم وعقيدتنا لا نزايد عليها كما أن وطننا ووحدتنا وتماسكنا لا نفرط بها أبداً بحول الله تعالى وبمشيئته....
|