تبدو الإجابة عن السؤال صعبة، ومع ذلك فالسؤال يطرح ويفرض نفسه كل يوم في الأرض العراقية التي تبدأ يومها في العادة بانفجار مروِّع، معظم ضحاياه في كل مرة من المدنيين الأبرياء مع بعضٍ من رجال الشرطة.
ولم يكن صباح بلدة بعقوبة مختلفاً أمس الأربعاء إلا في العدد الهائل من الضحايا، فهناك أكثر من 50 قتيلاً إلى جانب عشرات الجرحى، ثم هناك هذا الحزن العاصف الممزوج بألمٍ ممضٍّ وغضب عارم تجاه ما يحدث.. ومن ثَمَّ يأتي التساؤل: مَن يقتل العراقيين؟
لقد أصبح العراق أرضاً مستباحة، وساحة أخرى لتصفية الخلافات، وأرضاً لتجريب أسلحة محلية الصنع وأخرى تأتي من أكثر خطوط الإنتاج تقدماً في صناعة الموت.. العراق بسبب ظروفه الأمنية التي تغري بالفوضى أو صناعة الفوضى يغري أيضاً الذين يفضلون الصيد في الماء العكر بنقل نشاطاتهم إليه.. ومن السهل رؤية بصمات لعتاة المجرمين على الساحة الدولية، ومنهم الإسرائيليون الذين بات الحديث عن وجودهم من الأمور الشائعة..
وكان مفهوماً أن تتوجه العمليات إلى قوات الاحتلال، لكن يكون من العسير على الفهم أن تتوجه البنادق إلى أبناء العراق من مدنيين وشرطة؛ ليسقط العشرات منهم يوماً بعد الآخر.. كما أن من العصيِّ أيضاً فهم أن تقتل الطائرات الأمريكية أسرة من النساء والأطفال أكثر من مرة، ثم يقال: إن البيت المستهدف كان يأوي إرهابيين. وقبل ذلك رأينا كيف تحوَّل عرس إلى مأتم بعد أن شاركت الطائرات الأمريكية في المناسبة قصفاً وتدميراً وقتلاً..
إن خللاً كبيراً يحدث في العراق، والأدهى أن هذا الخلل آخذٌ في التوسع والانتشار، فمساحة الدمار لا تكف تكبر وتكبر، إلى درجة تحمل على الإحباط..
لكن ليس المطلوب الاستسلام لهذا الإحباط؛ لأن الاستسلام له يعني ترك الأخطار تتفاقم..
ويبدو أن الكثير من العمل مطلوب من العراقيين أنفسهم. لن نقول الجميع؛ لأننا ندرك أن الذين فضلوا العمل في الظلام لن يتقدموا إلى دائرة الضوء للعمل معالآخرين لقطع دابر هذه الفتنة.. خصوصاً أنه يهمهم أن تستمر الفتنة..
ومع ذلك فإن غالبية الشعب العراقي يسوؤها ما يحدث، وعليها إذن أن تنظِّم نفسها وتفصح عن مرئياتها التي حتماً ستلتقي مع مرئيات أخرى لتشكيل رأي عام يرفض أولاً هذه المذابح العبثية المؤلمة، ومن ثَمَّ يتم التوصل إلى نوع من التوافق ضد هؤلاء الذين آثروا العمل في الظلام والذين قد يكونون غير عراقيين؛ لأنه من الصعب تصوُّر أن العراقي يقتل إخوانه وأشقاءه وأبناءه بهذه الطريقة الشنيعة..
إن الذين لا يودُّون الاستقرار للعراق هم الذين يحرِّضون على مثل هذه الأعمال، والذين لا يودُّون الاستقرار للعراق يتطلعون إلى استمرار الأوضاع الحالية بما فيها من احتلال حتى لو كان تحت اسم القوات متعددة الجنسيات؛ فإنه يظل وجوداً أجنبياً يحاول فرض مرئياته. القتلة هم أيضاً من شذَّاذ الآفاقذوي التصورات القاصرة الذين يتصورون أن بإمكانهم فرض أجندتهم عن طريق إهدار الكثير من الدم، لكنهم ليسوا في وارد استشراف آفاق بناء دولة أو تنظيم مجتمع، فمثل هذا العمل لا يقدم عليه إلا ذوو الرؤى المترفِّعة عن الصغائر وعن الضغائن..
|