نبدو في معالجتنا لكثير من قضايانا المختلفة، كمن يواجه أعاصير شتى من الاختلافات والتوجهات، ولكن بمبدأ واحد، قد لا يبعد هذا المنظر كثيراً عن طلاب فصل دراسي واحد يوجّه به المعلم تلاميذه بالكتابة عن موضوع إنشاء واحد، تختلف بعدها طرق التعبير والمقدرة.
أقول هذا، وقد تضاءل الحجم للكثافة السكانية والمساحة الشاسعة لبلادنا، مقابل الإمساك بقضية واحدة أو اثنتين، حسب ما كان متواجداً على السطح العام والذي تتوفر فيه المعلومة والتفاصيل، لا أقول إن ملء الفراغ لقضايا أكثر أهمية هو البديل، بل إن هناك إحساساً جماعياً يجب أن يسود، وأن يعم من واقع مشكلاتنا العميقة والمتراكمة، وأن مجتمعا له من الأشكال الاجتماعية المختلفة والمعقدة ما يجعل التطرق إلى مواجهة مثل هذه الرياح التي تحفنا من كل حدب وصوب، أمراً بالغ الأهمية، وأن الخوض في صلب موضوع واحد خلال نشوء قضية واحدة حتى حين اختفائها، أمر لا ينم إلا عن محدودية ومنهجية التفكير العام لدى من يمثلون الرأي أو يظنون أنهم قادرون على المساهمة الفعالة.
ورغم ذلك، فهناك استثناءات تتطلب موقفاً عاماً من الجميع حيالها، عندما نصاب في مبادئنا وتهتز أخلاقيات كانت من بذور حياتنا، فلابد حينها من استنفار فكري ينبذ مثل هذا الانحراف كما حدث مؤخراً حيال تلك الجريمة الأخلاقية، والتي تلقيناها بكل ألم وتقزز، من حيث انحرافها الواضح عن المبدأ الإنساني أولاً وأخيراً، فهل كانت تلك البدعة الأخلاقية هي الأولى أو الأخيرة، وأين يا ترى يكمن الخلل في تربية البنات أم الأولاد؟ أم أن ثقافة مجتمع تتصدره مضامين (العيب في الجيب) للولد، كانت كفيلة بإحالة جل مثل هذه المواضيع على الجانب الآخر من القضية وهي البنات ثم البنات ثم الأمهات اللاتي لم يحسن رعاية هؤلاء البنات أو حتى يتسمن بقدر إنجابهن؟ لدينا من الأمثلة الكثير حيال أزماتنا العديدة، سواء ما كان منها أخلاقياً أو فكرياً أو حتى اجتماعياً، لنعترف في النهاية، إننا في مواجهة هذه الأعاصير، لسنا شعباً مختاراً أو منزهاً عن كل ما يمكن أن يسوء، لكن القضية الأهم هي ما يتبع ذلك من علاج، وتأسيس، وأن المجتمع الذي يرفض مثل هذه الحوادث ويمقتها، هو من يدعمها بالأساس وفي الجهر والخفاء، ولولا ثقافة متداولة بين هؤلاء الشباب تجعل مثل هذه الأفعال المشينة مثار تفاخر بينهم، لما حرصوا على نشرها، ولو أن هناك ثقافة اجتماعية تمقت وتدين الشباب الذين يتلاعبون بالأعراض لما جاهروا بجريمتهم تلك.
المهم، أن هناك خللاً أكيداً، وأن إعادة النظر في طرق تناولنا واستدعائنا لمثل هذه القيم المتوارثة بما يؤصل مفهوم، أن لا عيب سوى العيب، وأن العيب هنا حالة شذوذ عن القاعدة السوية، وهو ما سيقع في محظوره الطرفان، خصوصاً أن رأي الدين صريح وواضح، ولم يعف أياً منهما أو يدينه، إلا بمقدار الفعل.
|