جاءت الزيارات التي قام بها الرئيس إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي لبعض دول الجوار العربية ضرورة عربية تصب جميعها في مصلحة الأمن الداخلي في العراق. فقد ابتدأ الرئيس علاوي بالمملكة الأردنية الهاشمية وهي المنفذ الرئيسي الخارجي للعراق فحركة البضائع التجارية وانتقال المواطنين بين البلدين تتم حركته من المنافذ الأردنية البرية وأيضا الخط الجوي الوحيد يأتي من مطار الملكة عالية في عمان وقد وصفت هذه الزيارة الرسمية والأخوية من أعلى مستويات السلطة في الأردن الشقيق حيث شمل علاوي بترحيب واهتمام بالغ من الملك عبدالله الثاني ورئيس وزرائه السيد الفائز، وصدرت العديد من الاتفاقات التجارية والسياسية التي تنظم حركة وإقامة الاشخاص بين البلدين، كما شملت ايضا اتفاقات تجارية ونفطية وأمنية عديدة. وقدم الملك عبدالله الثاني هدية رمزية عبارة عن عدد من المدرعات الأردنية إلى حكومة السيد علاوي والشرطة العراقية لتساعد في استتباب الأمن المضطرب في العراق الجديد بعد اشتداد الحملات الإرهابية واعتدائها على ضيوف العراق من الدول المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات. كما رحبت معاهدها العسكرية والأمنية باستعدادها لتدريب الضباط العراقيين وتهيئة كوادر أمنية مدربة في مجال المخابرات والجوازات واستخدامات الكمبيوتر الموحد. وقد لاحظ نتائج هذه الزيارة الأخوية كل المسافرين العراقيين للأردن وتميزوا بالترحيب وشمولهم بالتسهيلات السريعة في المنافذ الحدودية للأردن الشقيق، بعد ان كانوا يتعرضون لاستجوابات عديدة قد تجعلهم ينتظرون اكثر من ست ساعات في نقطة الحدود الأردنية ويعاد أكثرهم الى الحدود العراقية بحجج عديدة. أما الآن فالترحيب وتسهيل إجراءات الدخول للمسافرين العراقيين يلاقيان الشكر والتقدير من كافة العراقيين للتوجيه الملكي الاردني بضرورة معاملة العراقيين كإخوة أشقاء في بلدهم الثاني المملكة الأردنية الهاشمية.
وجاءت القاهرة محطته الثانية في هذه الجولة العربية المباركة وقد تزامنت هذه الزيارة بوقت انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية لدول الجوار مع العراق والتي ناقشت الأوضاع الأمنية المتدهورة على الأرض العراقية من تسلل إرهابي خارجي ومساندة من بعض القوى المعادية لشعب العراق ولا تريد له الاستقرار والأمان والتي تقوم بممارسات لا أخلاقية ولا انسانية من اختطاف أشخاص والمساومة على حياتهم وذبحهم بسيوف غادرة دون مراعاة لمصالح العراق العليا ووضعه الحرج أمنياً في هذه الفترة الحالية. وقد جاء قرار مؤتمر وزراء الخارجية لدول الجوار بالتوصية بعقد مؤتمر لوزراء الداخلية لهذه الدول والذي سيعقد في طهران بأقرب فرصة ممكنة لتكملة مناقشة الوضع الأمني في العراق والوصول إلى قرارات إيجابية تحد من حركة الإرهاب الخارجي وتساعد في تقوية الجهات الأمنية العراقية بتزويدهم بالمعدات الأمنية الحديثة لمكافحة جرائم الارهاب وتقبل أعداد من قوى الامن لتدريب أفرادها في بلاد الجوار والسعي الحثيث لاستتباب الأمن الداخلي في العراق الجديد.
وجاءت تصريحات وتمنيات الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس الوزراء نظيف بتمتع شعب العراق بالاستقرار والامان والرفاهية الاقتصادية وحصوله على استقلاله الوطني التام، كما عقدت اتفاقات تجارية ورغبة مصرية على مساعدة العراق بمعدات أمنية وتسهيل تدريب القوات الأمنية العراقية في المعاهد والكليات العسكرية المصرية وتشكيل لجنة عليا للتعاون بين البلدين الشقيقين.
وكان لاختطاف الدبلوماسي المصري في بغداد محمد ممدوح قطب التأثر الواضح في تصريحات الدكتور علاوي وتوجيه ندائه للحكومة المصرية بعدم التجاوب لتهديدات الخاطفين وتركهم للقوى الأمنية العراقية التي ستخلص الدبلوماسي المصري قطب من أسر الجماعة الإرهابية المجرمة. وعلق على ذلك وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبو الغيط بأن مصر لم تَعِد ولا تنوي إرسال قوات عسكرية مصرية إلى العراق.
وجاء المشهد العراقي السوري أكثر تركيزاً على الناحية الأمنية، فقد بحث الدكتور علاوي مع رئيس الوزراء السوري الحالة الأمنية غير المنضبطة على الحدود السورية وتمنى عقد اتفاقية امنية تنظم الوضع الأمني بين القطرين العربيين، إلا أن الجانب السوري فضل تشكيل لجنة أمنية مشتركة بين البلدين لمراقبة الحدود المشتركة بينهما. كما جاء قرار عودة العلاقات الدبلوماسية المنقطعة منذ عام 1980 وتبادل السفراء بالقريب العاجل. وتوجت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى سوريا بعقد عدة اتفاقيات تجارية ووضع سوريا ضمن دول إعمار العراق ومنح الشركات السورية جزءاً من المشاريع التنموية الجديدة في العراق، وشمل ذلك تنظيم العلاقة البترولية بين البلدين. وقد أبدى الرئيس بشار الأسد استعداد سوريا حكومة وشعباً لمساندة ودعم الشعب العراقي لينال استقلاله التام ويعمه الأمن والاستقرار.
أما بيروت الرسمية فكان استقبالا ودياً من أعلى مستويات السلطة في لبنان إلا إن الشارع البيروتي أعرب بعض المتظاهرين فيه عن رفع شعارات معادية لهذه الزيارة الرسمية والمطالبة بإخراج القوات الأمريكية المحتلة من الأراضي العراقية ونيل الشعب العراقي استقلاله التام. وقد تناولت المحادثات الرسمية للرئيس العراقي توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وإعادة فتح السفارة العراقية في بيروت بعد إغلاق دام فترة طويلة، ثم مراجعة الفواتير المجمدة للتجار اللبنانيين على الدولة العراقية وقدرها عشرون مليون دولار وفسح الحظر على الأرصدة الرسمية للحكومة العراقية السابقة في البنوك اللبنانية كودائع مالية تقدر بنصف مليار دولار وعرض اقتراح عراقي على لبنان بالمشاركة بقوات عسكرية في القوات المتعددة الجنسيات التابعة للأمم المتحدة، وعقدت عدة اتفاقات تجارية تنظم الحركة الاقتصادية بين البلدين الشقيقين.
وفي جدة وجد الترحاب والدعم والتأييد من لدن مولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لعلم كل عربي ومسلم مخلص في تحليله مدى اهتمام القيادة العليا في بلادنا بمستقبل وأمن الشعب العراقي الشقيق وهذا الموقف الثابت في سياسة المملكة العربية السعودية نحو جارها العراق حاضراً وماضيا ومستقبلا إن شاء الله. ومن ركائز هذه السياسة الخارجية يأتي مبدأ حسن الجوار والعيش بثقة وتعاون وسلام مع كافة دول الجوار المحيطة ببلادنا المباركة مهد العروبة ومهبط الوحي ومنارة الإسلام ومع رغبتها الأكيدة في عدم التدخل بشؤون الآخرين من دول الجوار أو غيرها فإنها في الوقت نفسه لا تقبل أبداً وبأي شكل كان ومن أي مصدر جاء التدخل في شئونها الداخلية او تسيير سياستها الخارجية نحو مصلحة طرف أحادي دون ان تكون هناك مصلحة مشتركة ومتساوية بين البلدين.
وضيف خادم الحرمين الشريفين الرئيس علاوي يدرك أكثر من غيره اهتمام القيادة السعودية بمستقبل العراق الجديد والسعي بإخلاص نحو رفاهية وكرامة واستقلال الشعب الشقيق في العراق.
والدكتور إياد علاوي أول رئيس وزراء عراقي في العهد الجديد يزور المملكة العربية السعودية ليناقش إخوته في جدة المشاكل الرئيسية التي يعاني منها شعب العراق وعلى رأسها الوضع الأمني والعمليات الإرهابية المجرمة التي تستهدف الشعب العراقي ومصادر ثروته الطبيعية والاعتداء على ضيوفه من ممثلي الدول الأجنبية العاملين في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية. ولا بد أن الرئيس علاوي وجد الخبرة الأمنية السعودية العالية في مواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره إن شاء الله من بلادنا الغالية.
وبقدر اهتمام القيادة والشعب العراقي بضبط الحدود المشتركة في اختراقه من قبل الإرهابيين أو تهريب الأسلحة وأجهزة الارهاب فإن القيادة السعودية أشد اهتماما بذلك لأنها قد عانت وعانى الشعب السعودي من خطر الإرهاب وغدره وتضع هدفا استراتيجياً لإنهاء أشكال الإرهاب ومصادره ومن يسعى بتقديم التمويل والسلاح لهؤلاء المضللين الغادرين. كما أن الدكتور علاوي لا بد وأن يكون قد وجد كل الدعم والتأييد في السيطرة التامة على طول الحدود العراقية السعودية وقد يأتي ذلك على شكل لجان مشتركة لمراقبة حركة الحدود المشتركة.. وليتأكد أبناء شعبنا الشقيق في العراق بأن قيادتنا الوطنية ترى بتوأمة الشعبين السعودي والعراقي الشقيقين وتسعى بكل الجهد والسبل اللازمة لتخليصه من كافة المشاكل التي تعارض استقلاله وازدهاره وستقدم العون والتعاون المخلص لدفعه نحو القوة والكرامة والرفاهية الاقتصادية وبدون حدود.
( * ) محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|