يفرح الإنسان بانتشار رياضة المشي ويستبشر خيراً حينما يرى أسراب المشاة في بعض الأماكن التي اجتاحوها وحوّلوها إلى ممرات للمشي بدون ترتيب مسبق ودون دراسات علمية طبية مفيدة، ولكنني ومن وجهة نظر طبية أعطف على أولئك المشاة من سوء الأحوال الجوية أثناء المشي ولا أقصد الحر والبرد ولكنني أقصد الكم الهائل من منتجات عوادم السيارات، حيث هذه العوادم غازات سامة وأكاسيد ورصاص وهيدروكربونات تنتشر في محيط الطرق، وتدخل رئة الإنسان ويمتصها دمه وتتغلغل في جميع أنحاء الجسم وتؤثر على جميع خلاياه.
وتزداد هذه الملوثات والغازات السامة والمعادن الثقيلة (كالرصاص) على الأرصفة المجاورة للطريق بمساحة تصل إلى ثلاثين متراً على جانبي الطريق وبنسبة عالية تصل إلى تسعة أضعاف الحد المسموح به (دراسة زينيانق يوكوهاما اليابان 1999).
والإزعاج الناجم من هذا التلوث لا يقتصر ضرره فقط على الرئة وما يدخلها من مواد هيروكربونية ونيترونيات ضارة تنتجها عوادم السيارات ولكن الضرر أيضاً يدخل إلى الأذن والمخ والأعصاب عبر الضجيج الذي له دور هام في هدم صحة الإنسان والتأثير على استجابته النفسية ومناعته وقواه العقلية.. ففي دراسة قام بها مركز للمسنين في كلورادو - أمريكا وتم فيها تقصي التاريخ المرضي لبعض المصابين ثبت أن مرض الزهايمر والرعاش الذي يصيب الإنسان في سن الشيخوخة وكذلك تلف بعض الطرفيات العصبية يكون أكثر عند الأشخاص الذين يتعرضون للضجيج أثناء مراحل كبيرة من حياتهم حينما كانوا شباباً (مثل عمال المصانع وبعض المنشآت الذين يتعرضون للضجيج أكثر من ست ساعات يومياً).
فما بالك بمن يأتي للبحث عن الرياضة والمشي في طرق مزدحمة مثل طريق مكة قرب مدينة الملك فهد الطبية أو طريق الأمير عبدالله حول مبنى وزارة التربية والتعليم أو حول مبنى كليات البنات على مخرج9.... الخ وهي ممرات وطرق اختارها هواة المشي فقط لأنها طويلة ولا يوجد بها عوائق تعيق المشاة ولكنهم أغفلوا الحالة الجوية والبيئية لتلك الأماكن.
ومعظم الدراسات الطبية على الطرق المزدحمة بالسيارات أثبتت كذلك وجود مواد مسببة للطفرات الوراثية والمسرطنات ومواد ملوثة بتراكيز كيميائية عالية ومعادن ثقيلة كالرصاص والنيكل... الخ حول الطرق المزدحمة بالسيارات.
وتدخل هذه المواد الضارة أجسامنا عبر التنفس ويزداد معدل التنفس واستهلاك الأوكسيجين كلما ازداد الإنسان ممارسة للرياضة وأثناء المشي والركض تكون الرئة مفتوحة أكثر لتلقي أوكسجين أكثر من أجل استفادة الجسم منه ولكن للأسف فإن ما يدخل صدور أولئك الرياضيين المشاة من غازات سامة وأكاسيد في هذه الأماكن المزدحمة مرورياً سيكون أكثر ضراراً من كون الإنسان لا يمارس الرياضة، فكيف تجعلون الرياضة مضرة للصحة بهذه الطريقة؟ وإذا كنا نريد الفائدة القصوى من ممارسة الرياضة فيجب أن نبتعد عن تلك الملوثات والضجيج من أجل صحة أجسامنا.
لذلك أتمنى من أمانة مدينة الرياض أن يقوموا بالبحث عن أماكن أكثر بعداً عن الطرق المزدحمة بالسيارات وأن يقوموا بمساعدة محبي رياضة المشي بتخصيص بعض الأراضي البعيدة عن الزحام والحدائق والمنتزهات البعيدة عن الحركة المرورية وبعيدة عن الضجيج أو تجهيز بعض الطرق قليلة الازدحام بسواتر من الأشجار الكثيفة لكي تقلل من هذا التلوث و تصميم ممرات واسعة وبعيدة عن جوانب الطرق (على غرار طريق النهضة) وذلك من أجل الصحة العامة ومن أجل حماية المشاة من أخطار التلوث والضجيج وعوادم السيارات.
أنصح كل ممارس للرياضة والمشي أن لا يقترب من تلك الطرق المزدحمة وأن يبحث له عن أماكن بعيدة عن التلوث مثل طريق النهضة (حي الربوة) وبعض الأسواق المغطاة والطرق البعيدة عن الازدحام المروري وكذلك البراري والصحراء من أجل أن يستقبل الجسم الأوكسجين الكافي المفيد لا الأوكسجين المملوء بالغازات والعوادم.
( * ) مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - الرياض |