يوم الخميس 5-6-1425هـ اطل علينا الدكتور حسن بن فهد الهويمل بمقالته الرائعة (جدلية الخفاء والتجلي في المنهج). وبما أن المقالة من جزئين ولم استمتع الا بقراءة الجزء الاول الذي هو بمثابة التمهيد لنضوج الفكرة وتجليها، فلم تتكون عندي رؤية واضحة عن المقالة فإنني سأكتفي بمطلع المقالة الذي شدني ودفعني للتعليق والمشاركة، يقول الدكتور: (ويقيني ان مشاهد الامة العربية: الفكرية والسياسية والادبية متخمة بالكلام وحسب، وكأن قضاءها وقدرها ان تظل مرتهنة خارج دائرة الفعل، لا يملك ابناؤها الا القول المحتوم والتلاسن السالق..)
فعلاً نحن امة كلام وجدال ..نحن كما عبروا (ظاهرة صوتية) عندما يحدث الحدث ويهزنا ويربكنا تكون ردة الفعل عندنا صوتاً لا فعلاً وتموجات هذا الصوت الذي احدثناه لا تذهب بعيداً عنا وتتجه نحو عدونا وتلمّ صفنا وانما تعود لتكسر وتخلخل ما بقي من هشيم بيتنا.
هكذا نحن وهذه هي مشاهدنا (صراع وضجيج) عند كل حدث وقول محتدم وتلاسن سالق وكل هذا خارج دائرة الفعل. نحن امة ثرثرة وكلام محتمي مشتد لا ينقطع يتصدر الشاشات والقنوات ويتسيد البرامج والندوات.. نحن امة نملأ الفضاء كلاماً لكننا لا نملأه فعلاً.. نحن امة نبرع في (الاتجاه المعاكس) لكننا قد نفشل في (اتجاه التآخي والتصافي). ولكي تتضح الصورة فهناك نماذج تركت ونبذت الخلاف والفرقة وتحركت داخل دائرة الفعل بالاتجاه السليم الصحيح، فخلال الازمة والاحداث الجسيمة التي تمر بها بلادنا اليوم والتي نحن بحاجة الى الالتفاف والتماسك ونبذ الخلاف والتصافي تتحرك افكار وتنطلق رؤى لشق الصف وزعزعة الامن واطروحات اخرى تمارس عملية (النبش) واثارة الماضي وتصفية الحسابات.
بينما مجموعة من العلماء والمفكرين توجهت خطاباتهم نحو المسالمة ولمّ الشمل وتوحيد الصف.. نبذوا الثرثرة والجدل والخلاف الى الحكمة والتسامح والتآخي.. فالشيخ سلمان بن فهد العودة مثلاً من خلال موقع (الإسلام اليوم) ومن خلال محاضراته ومقالاته ولقاءاته ينادي ليل نهار الى توحيد الصف وجمع الكلمة وان ننبذ الفرقة والخلاف وان يتوحد جمعنا دون ان نلزم على توحد رأينا وجاء ذلك خلال محاضرات القاها في نواحي مملكتنا الحبيبة محاضرة تحت عنوان (وحدة الصف لا وحدة الرأي) وله ايضاً (كلمة في جمع الكلمة) وغيرها كثير من الدروس والندوات والمحاضرات التي كلها تسير في اتجاه توحيد الصف ولمّ الشمل.. وكذلك الشيخ سفر الحوالي يدعو الى هذا الخطاب المسالم وينبذ العنف والفرقة ولذلك قدم مبادرته المشهورة وفتح صدره وبابه للحوار ولكل من يرغب في ان يلقي السلاح وينبذ العنف ويعود الى الجماعة ووحدة الصف.. وكذلك الشيخ عايض القرني في محاضراته وندواته ولقاءاته يدعو الى خطاب التسامح والالتفاف والاجتماع ونبذ العداء والفرقة وغيرهم من الدعاة والمصلحين الذين يجتهدون ويعملون الليل والنهار في لمّ الشمل وجمع الكلمة وان لا يخترق الصف وتتشتت الامة وحتى لا تغرق السفينة وان يدفعوها الى بر الامان. هؤلاء المصلحون يساهمون في دفع السفينة حتى لا تغرق فهل نحن الكتاب والمثقفون والمفكرون الذين ندعو الى رقي المجتمع وتحضره ساهمنا معهم في عملية الدفع الى بر الامان؟ لا.. هناك من يمثلون (النخبوية) يملؤن مشاهدنا جدلاً وكلاماً محتدماً وتلاسناً لا يدعو الى وحدة الصف وانما يولد الفرقة والخلاف.. بل هناك من يسير في سياق هؤلاء لنبش الماضي والبحث في خطاباتهم السابقة والذهاب بعيداً في فلسفة الحدث فوق الواقع وما ينبغي معه التعامل الآن.. فمنهم مثلاً من يحاول ان يفكك البنية ويبحث في تركيبة المجتمع ومنهم من يحاول ان يشكك في المناهج وانها بذرة هذه الاحداث التي نعيشها ومنهم من غالى وذهب بعيداً حينما دعا الى ان هناك ممارسة خفية (لا تكاد ترى بالعين المجردة) تحوِّر المنهج وتكون كالفيروس الذي يدمر خلايا البنية التعليمية.
ما هكذا تورد الابل يا سادة.. هذه فلسفة وسفسطة لا تزيدنا الا شقاقاً وخلافاً وفرقة.. نحن يا سادة امام واقع وامام عدو صهيوني (كالخفاش) يتحرك في الظلام ويبحث عن المنافذ والمداخل لزعزعة امتنا وزرع الخلاف بيننا.. والاحداث التي نعيشها اليوم لا تتحمل المبالغة والتقعر والذهاب بعيداً جداً عن الواقع المعاش.. تحتاج منا ان نتعامل معها بهدوء وان ننبذ الخلاف ونستطيع تجاوزها عندما نلتقي حول انفسنا ونجتمع فيما بيننا ونكون جسداً واحداً وصفاً واحداً ننبذ الطائفية والحزبية والمصالح الشخصية ونوجه مشاريعنا لصالح المجموع ولمصلحة الدين والوطن.
خالد عبدالعزيز الحماد/ بريدة |